عبد الله بن العباس
حَبْرُ هذه الأمّة
" نِعْمَ ترجُمانُ القرآنِ أنتَ "
حديث شريف
يُشبه ابن عباس ( عبد الله بن الزبير ) في أنه أدرك الرسول -صلى الله عليه
وسلم- وعاصره وهو غلام ، ومات الرسول الكريم قبل أن يبلغ ابن عباس سن
الرجولة لكنه هو الآخر تلقى في حداثته كلّ خامات رجولته ومباديء حياته من
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي علّمه الحكمة الخالصة ، وبقوة إيمانه و
خُلُقه وغزارة عِلمه اقْتعَد ابن عباس مكانا عاليا بين الرجال حول الرسول
طفولته
هو ابن العباس بن عبد المطلب بن هاشم ، عم الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، وكنّيَ بأبيه العباس ، وهو أكبر ولده ولد بمكة ، والنبي -صلى الله عليه وسلم- وأهل بيته بالشعب من مكة ، فأتِيَ به النبي فحنّكه بريقه ، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين ، وعلى الرغم من أنه لم يجاوز الثالثة عشر من عمره يوم مات الرسول الكريم ، فأنه لم يُضيُّع من طفولته الواعية يوما دون أن يشهد مجالس الرسول ويحفظ عنه ما يقول ، فقد أدناه الرسول -صلى الله عليه وسلم- منه وهو طفل ودعا له
اللهم فقّهْه في الدين وعَلّمه التأويل ) فأدرك ابن عباس أنه خُلِق للعلم والمعرفة
فضله
رأى ابن العباس جبريل -عليه السلام- مرّتين عند النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فهو ترجمان القرآن ، سمع نجوى جبريل للرسول -صلى الله عليه وسلم- وعايَنَه ، ودعا له الرسول الكريم مرّتين ، وكان ابن عبّاس يقول
نحن أهل البيت ، شجرة النبوّة ، ومختلف الملائكة ، وأهل بيت الرسالة ، وأهل بيت الرّحمة ، ومعدن العلم ) وقال
ضمّني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال
اللهم علِّمه الحكمة )
قال ابن عساكر
كان عبد الله أبيض طويلاً مشرباً صفرة ، جسيماً وسيماً ، صبيح الوجه ، له وفرة يخضب الحناء ، وكان يُسمّى : الحَبْرُ والبحر ، لكثرة علمه وحِدّة فهمه ، حَبْرُ الأمّة وفقيهها ، ولسان العشرة ومنطيقها ، محنّكٌ بريق النبوة ، ومدعُوّ له بلسان الرسالة
اللهم فقّهه في الدين ، وعلّمه التأويل )
وعن عمر قال : قال النبي -صلى الله عليه وسلم-
إنّ أرْأفَ أمّتي بها أبو بكر ، وإنّ أصلبَها في أمر الله لعمر ، وإنّ أشدّها حياءً لعثمان ، وإنّ اقرأها لأبيّ ، وإنّ أفرضَها لزَيَد ، وإنْ أقضاها لعليّ ، وإنّ أعلمَها بالحلال والحرام لمعاذ ، وإن أصدقها لهجة لأبو ذرّ ، وإنّ أميرَ هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ، وإنْ حَبْرَ هذه الأمة لعبد الله بن عبّاس )
وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يحرص على مشورته ، وكان يلقبه ( فتى الكهول ) وقد سئل يوما
أنَّى أصَبْت هذا العلم ؟) فأجاب
بلسان سئول ، وقلب عقول ) وكان عمر إذا جاءته الأقضية المعضلة قال لابن عبّاس
إنّها قد طرأت علينا أقضية وعضل فأنت لها ولأمثالها ) ثم يأخذ بقوله قال ابن عبّاس
كان عمر بن الخطاب يأذن لأهل بدرٍ ويأذن لي معهم ) فذكر أنه سألهم وسأله فأجابه فقال لهم
كيف تلومونني عليه بعد ما ترون ؟!)
وكان يُفتي في عهد عمر وعثمان إلى يوم مات
عِلْمه
وبعد ذهاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- الى الرفيق الأعلى ، حرص ابن عباس على أن يتعلم من أصحاب الرسول السابقين ما فاته سماعه وتعلمه من الرسول نفسه ، فهو يقول عن نفسه
أن كُنتُ لأسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- )
كما يصور لنا اجتهاده بطلب العلم فيقول
لما قُبِض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلت لفتى من الأنصار
هَلُمَّ فَلْنَسأل أصحاب رسول الله فإنهم اليوم كثير ) فقال
يا عَجَبا لك يا ابن عباس !! أترى الناس يفتقرون إليك وفيهم من أصحاب رسول الله ما ترى ؟) فترك ذلك وأقبلت أنا أسأل أصحاب رسول الله ، فإن كان لَيَبْلُغني الحديث عن الرجل ، فآتي إليه وهو قائل في الظهيرة ، فأتوسَّد ردائي على بابه ، يسْفي الريح عليّ من التراب ، حتى ينتهي من مَقيله ويخرج فيراني فيقول
يا ابن عم رسول الله ما جاء بك ؟ هلا أرسلت إليّ فآتيك ؟) فأقول
لا ، أنت أحق بأن أسعى إليك ) فأسأله عن الحديث وأتعلم منه ) وهكذا نمت معرفته وحكمته وأصبح يملك حكمة الشيوخ وأناتهم
وعن عبد الله بن عباس قال
كنتُ أكرمُ الأكابرَ من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المهاجرين والأنصار ، وأسألهم عن مغازي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وما نزل من القرآن في ذلك ، وكنتُ لا آتي أحداً منهم إلا سُرَّ بإتياني لقُربي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجعلت أسأل إبيّ بن كعب يوماً عمّا نزل من القرآن بالمدينة ، فقال
نزل سبعٌ وعشرون سورة ، وسائرها بمكة )
وكان ابن عبّاس يأتي أبا رافع ، مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيقول
ما صنع النبي- -صلى الله عليه وسلم- يوم كذا وكذا ؟) ومع ابن عبّاس ألواحٌ يكتب ما يقول وعن ابن عبّاس قال
ذللْتُ طالباً لطلب العلم ، فعززتُ مطلوباً )
مما قيل بابن عباس
قال علي بن أبي طالب في عبد الله بن عبّاس
إنّه ينظر إلى الغيب من سترٍ رقيقٍ ، لعقله وفطنته بالأمور )
وصفه سعد بن أبي وقاص فقال
ما رأيت أحدا أحْضَر فهما ، ولا أكبر لُبّا ، ولا أكثر علما ، ولا أوسع حِلْما من ابن عباس ، ولقد رأيت عمر يدعوه للمعضلات ، وحوله أهل بدْر من المهاجرين والأنصار فيتحدث ابن عباس ولا يُجاوز عمر قوله )
وقال عنه عُبيد الله بن عتبة
ما رأيت أحدا كان أعلم بما سبقه من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ابن عباس ، ولا رأيت أحدا أعلم بقضاء أبي بكر وعمر وعثمان منه ، ولا أفْقَه في رأي منه ، ولا أعْلم بشعر ولا عَربية ، ولا تفسير للقرآن ولا بحساب وفريضة منه ، ولقد كان يجلس يوما للفقه ، ويوما للتأويل ، ويوما للمغازي ، ويوما للشعر ، ويوما لأيام العرب وأخبارها ، وما رأيت عالما جلس إليه إلا خضع له ، ولا سائلا سأله إلا وجد عنده عِلما )
وقال عُبيد الله بن أبي يزيد
كان ابن عبّاس إذا سُئِلَ عن شيءٍ ، فإن كان في كتاب الله عزّ وجلّ قال به ، وإنْ لم يَكُن في كتاب الله عزّ وجل وكان عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه شيء قال به ، فإن لم يكن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه شيءٌ قال بما قال به أبو بكر وعمر ، فإن لم يكن لأبي بكر وعمر فيه شيء قال برأيه )
ووصفه مسلم من البصرة
إنه آخذ بثلاث ، تارك لثلاث ، آخذ بقلوب الرجال إذا حدّث ، وبحُسْن الإستماع إذا حُدِّث ، وبأيسر الأمرين إذا خُولِف ، وتارك المِراء ومُصادقة اللئام وما يُعْتَذر منه )
قال مجاهد
كان ابن عبّاس يسمى البحر من كثرة علمه ) وكان عطاء يقول
قال البحرُ وفعل البحر ) وقال شقيق
خطب ابن عباس وهو على الموسم ، فافتتح سورة البقرة ، فجعل يقرؤها ويفسّر ، فجعلت أقول : ما رأيت ولا سمعت كلامَ رجلٍ مثله ، لو سَمِعَتْهُ فارس والروم لأسلمتْ )
تنوع ثقافته
حدَّث أحد أصحابه ومعاصريه فقال : لقد رأيت من ابن عباس مجلسا ، لو أن جميع قريش فخُرَت به لكان لها به الفخر ، رأيت الناس اجتمعوا على بابه حتى ضاق بهم الطريق ، فما كان أحد يقدر أن يجيء ولا أن يذهب ، فدخلت عليه فأخبرته بمكانهم على بابه ، فقال لي
ضَعْ لي وضوءاً ) فتوضأ وجلس ، و قال
اخرج إليهم ، فادْعُ من يريد أن يسأل عن القرآن وتأويله ) فخرجت فآذَنْتُهم ، فدخلوا حتى ملئُوا البيت ، فما سألوا عن شيء إلا أخبرهم وزادهم ، ثم قال لهم
إخوانكم ) فخرجوا ليُفسِحوا لغيرهم ، ثم قال لي
اخرج فادْعُ من يريد أن يسأل عن الحلال والحرام ) فخرجت فآذَنْتُهم ، فدخلوا حتى ملئُوا البيت ، فما سألوا عن شيء إلا أخبرهم وزادهم ، ثم قال
إخوانكم ) فخرجوا ثم قال لي
ادْعُ من يريد أن يسأل عن الفرائض ) فخرجت فآذَنْتُهم ، فدخلوا حتى ملئُوا البيت ، فما سألوا عن شيء إلا أخبرهم وزادهم ، ثم قال لي
ادْعُ من يريد أن يسأل عن العربيّة والشّعر ) فآذَنْتُهم ، فدخلوا حتى ملئُوا البيت ، فما سألوا عن شيء إلا أخبرهم وزادهم
دليل فضله
كان أناسٌ من المهاجرين قد وجدوا على عمرفي إدنائه ابن عبّاس دونَهم ، وكان يسأله ، فقال عمر
أمَا إنّي سأريكم اليومَ منه ما تعرفون فضله ) فسألهم عن هذه السورة
إذا جَاءَ نَصْرُ اللهِ والفَتْحُ ** ورأيتَ النّاسَ يدخلونَ في دينِ اللهِ أفْواجاً ) سورة النصر آية (1،2)
قال بعضهم
أمرَ الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى الناس يدخلون في دين الله أفواجاً أن يحمدوه ويستغفروه ) فقال عمر
يا ابن عبّاس ، ألا تكلّم ؟) قال
أعلمه متى يموتُ ، قال
إذا جَاءَ نَصْرُ اللهِ والفَتْحُ
والفتح فتح مكة
ورأيتَ النّاسَ يدخلونَ في دينِ اللهِ أفْواجاً
فهي آيتُكَ من الموت
فسَبِّح بِحَمْدِ رَبِّكَ واسْتَغْفِرهُ إنّهُ كانَ تَوّاباً )
ثم سألهم عن ليلة القدر فأكثروا فيها ، فقال بعضهم
كُنّا نرى أنّها في العشر الأوسط ، ثم بلغنا أنّها في العشر الأواخر ) وقال بعضهم
ليلة إحدى وعشرين ) وقال بعضهم
ثلاث و عشرين ) وقال بعضهم
سبع وعشرين ) فقال بعضهم لابن عباس
ألا تكلّم !) قال
الله أعلم ) قال
قد نعلم أن الله أعلم ، إنّما نسألك عن علمك ) فقال ابن عبّاس
الله وترٌ يُحِبُّ الوترَ ، خلق من خلقِهِ سبع سموات فاستوى عليهنّ ، وخلق الأرض سبعاً ، وخلق عدّة الأيام سبعاً ، وجعل طوافاً بالبيت سبعاً ، ورمي الجمار سبعاً ، وبين الصفا والمروة سبعاً ، وخلق الإنسان من سبع ، وجعل رزقه من سبعٍ )
قال عمر
وكيف خلق الإنسان من سبعٍ ، وجعل رزقه من سبعٍ ؟ فقد فهمت من هذا أمراً ما فهمتُهُ ؟) قال ابن عباس
إن الله يقول
ولقَد خَلَقْنا الإنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِين ** ثم جَعَلنَاهُ نُطْفَةً في قرارٍ مَكين ** ثُمّ خَلقْنا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنا العَلَقةَ مُضْغَةً فخَلَقْنا المُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَونا العِظامَ لَحْماً ثُمّ أنشَأناهُ خَلقَاً آخَرَ فتباركَ اللّهُ أحْسَنُ الخالقِين ) سورة المؤمنون آية (12-14)
ثم قرأ
أنّا صَبَبْنا الماءَ صَبّاً ** ثم شقَقْنَا الأرضَ شَقّاً ** فأنْبَتْنا فيها حَبّاً ** وعِنَباً وقَضْباً ** وزَيْتوناً و نخلاً ** وحدائِقَ غُلباً ** وفاكِهَةً وأبّاً ) سورة عبس آية (25-31)
وأمّا السبعة فلبني آدم ، والأبّ فما أنبتت الأرض للأنعام ، وأمّا ليلة القدر فما نراها إن شاء الله إلا ليلة ثلاثٍ وعشرين يمضينَ وسبعٍ بقين )
المنطق والحُجّة
بعث الإمام علي -كرم الله وجهه- ابن عباس ذات يوم الى طائفة من الخوارج ، فدار بينه وبينهم حوار طويل ، ساق فيه الحجة بشكل يبهر الألباب فقد سألهم ابن عباس
ماذا تنقمون من علي ؟) قالوا
نَنْقِم منه ثلاثا : أولاهُن أنه حكَّم الرجال في دين الله ، والله يقول : إن الحكْمُ إلا لله ، والثانية أنه قاتل ثم لم يأخذ من مقاتليه سَبْيا ولا غنائم ، فلئن كانوا كفارا فقد حلّت له أموالهم ، وإن كانوا مؤمنين فقد حُرِّمَت عليه دماؤهم ، والثالثة رضي عند التحكيم أن يخلع عن نفسه صفة أمير المؤمنين استجابة لأعدائه ، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين )
وأخذ ابن عباس يُفَنّد أهواءهم فقال
أمّا قولكم إنه حَكّم الرجال في دين الله فأي بأس ؟
إن الله يقول
يا أيها الذين آمنوا لا تقتُلوا الصَّيْد وأنتم حُرُم ، ومن قتَله منكم مُتَعمدا فجزاء مِثلُ ما قَتَل من النعم يحكم به ذوا عَدْل منكم )
فَنَبئوني بالله أتحكيم الرجال في حَقْن دماء المسلمين أحق وأوْلى ، أم تحكيمهم في أرنب ثمنها درهم ؟! وأما قولكم إنه قاتل فلم يسْبُ ولم يغنم ، فهل كنتم تريدون أن يأخذ عائشة زوج الرسول وأم المؤمنين سَبْياً ويأخذ أسلابها غنائم ؟؟ وأما قولكم أنه رضى أن يخلع عن نفسه صفة أمير المؤمنين حتى يتم التحكيم ، فاسمعوا ما فعله رسول الله يوم الحديبية ، إذ راح يُملي الكتاب الذي يقوم بينه وبين قريش فقال للكاتب
اكتب : هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله) فقال مبعوث قريش
والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صَدَدْناك عن البيت ولا قاتلناك ، فاكتب : هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله ) فقال لهم الرسول
والله إني لرسول الله وإن كَذَّبْتُم ) ثم قال لكاتب الصحيفة
اكتب ما يشاءون ، اكتب : هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله )
واستمر الحوار بين ابن عباس والخوارج على هذا النسق الباهر المعجز ، وما كاد ينتهي النقاش حتى نهض منهم عشرون ألفا معلنين اقتناعهم ، وخروجهم من خُصومة الإمام علي
أخلاق العلماء
لقد كان ابن عباس -رضي الله عنه- حَبْر هذه الأمة يمتلك ثروة كبيرة من العلم ومن أخلاق العلماء ، وكان يفيض على الناس بماله بنفس السماح الذي يفيض به علمه ، وكان معاصروه يقولون
ما رأينا بيتا أكثر طعاما ، ولا شرابا ولا فاكهة ولا عِلْما من بيت ابن عباس ) وكان قلبه طاهر لا يحمل الضغينة لأحد ويتمنى الخير للجميع ، فهو يقول عن نفسه
إني لآتي على الآية من كتاب الله فأود لو أن الناس جميعا علموا مثل الذي أعلم ، وإني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يقضي بالعدل ويحكم بالقسط فأفرح به وأدعو له ، ومالي عنده قضية ، وإني لأسمع بالغيث يصيب للمسلمين أرضا فأفرح به ومالي بتلك الأرض سائِمَة ) وهو عابد قانت يقوم الليل ويصوم الأيام وكان كثير البكاء كلما صلى وقرأ القرآن
ركب زيد بن ثابت فأخذ ابن عبّاس بركابه فقال
لا تفْعل يا ابن عمّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ) قال
هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا ) فقال له زيد
أرني يديك ) فأخرج يديه فقبّلهما وقال
هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبيّنا -صلى الله عليه وسلم- )
موقفه من الفتنة
لقد كان لابن عباس أراء في الفتنة بين علي ومعاوية ، أراء ترجو السلام لا الحرب ، والمنطق لا القَسْر ، على الرغم من أنه خاض المعركة مع الإمام علي ضد معاوية ، فقد شهد مع علي ( الجمل ) و ( صفين ) ، لأنه في البداية كان لابد من ردع الشقاق الذي هدد وحدة المسلمين ، وعندما هَمّ الحسين -رضي الله عنه- بالخروج الى العراق ليقاتل زيادا ويزيد ، تعلّق ابن عباس به واستماتَ في محاولة منعه ، فلما بلغه نبأ استشهاده ، حزِنَ عليه ولزم داره
البصرة
وكان ابن عباس أمير البصرة ، وكان يغشى الناس في شهر رمضان ، فلا ينقضي الشهر حتى يفقههم ، وكان إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان يعظهم ويتكلّم بكلام يروعهم ويقول
مَلاكُ أمركم الدّين ، ووصلتكم الوفاء ، وزينتكم العلم ، وسلامتكم الحِلمُ وطَوْلكم المعروف ، إن الله كلّفكم الوسع ، اتقوا الله ما استطعتم )
الوصية
قال جُندُب لابن عباس
أوصني بوصية ) قال
أوصيك بتوحيد الله ، والعمل له ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، فإن كل خير أنتَ آتيه بعد هذه الخصال منك مقبول ، وإلى الله مرفوع ، يا جُندُب إنّك لن تزداد من يومك إلا قرباً ، فصلّ صلاة مودّع ، وأصبح في الدنيا كأنّك غريب مسافر ، فإنّك من أهل القبور ، وابكِ على ذنبك ، وتُبْ من خطيئتك ، ولتكن الدنيا أهون عليك من شِسْعِ نَعْلَيك ، وكأنّ قد فارقتها ، وصرت إلى عدل الله ، ولن تنتفع بما خلّفت ، ولن ينفعك إلا عملك )
اللسان
قال ابن بُرَيْدة
رأيت ابن عباس آخذاً بلسانه ، وهو يقول
وَيْحَكَ ، قُلْ خيراً تغنمْ أوِ اسكتْ عن شرّ تسلم ، وإلا فاعلم أنك ستندم ) فقيل له
يا ابن عباس ! لم تقول هذا ؟) قال
إنّه بلغني أنّ الإنسان ليس على شيءٍ من جسده أشدَّ حنقاً أو غيظاً يوم القيامة منه على لسانه ، إلا قال به خيراً أو أملى به خيراً )
المعروف
وقال ابن عبّاس
لا يتمّ المعروف إلا بثلاثة : تعجيله ، وتصغيرُه عنده وسَتْرُهُ ، فإنه إذا عجَّله هيّأهُ ، وإذا صغّرهُ عظّمَهُ ، وإذا سَتَرهُ فخّمَهُ )
معاوية وهرقل
كتب هرقل إلى معاوية وقال
إن كان بقي فيهم من النبوة فسيجيبون عمّا أسألهم عنه ) وكتب إليه يسأله عن المجرّة وعن القوس وعن البقعة التي لم تُصِبْها الشمس إلا ساعة واحدة ، فلمّا أتى معاوية الكتاب والرسول ، قال
هذا شيء ما كنت أراه أسأل عنه إلى يومي هذا ؟) فطوى الكتاب وبعث به إلى ابن عباس ، فكتب إليه
إنّ القوس أمان لأهل الأرض من الغرق ، والمجرّة باب السماء الذي تنشق منه ، وأمّا البقعة التي لم تُصبْها الشمس إلا ساعة من نهار فالبحر الذي انفرج عن بني إسرائيل )
وفاته
وفي آخر عمره كُفَّ بصره ، وفي عامه الحادي والسبعين دُعِي للقاء ربه العظيم ، ودُفِنَ في مدينة الطائف سنة ( 68 هـ )