ابو اسامه السلفى
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
أهلا ومرحبا بكم في منتدى ابواسامه السلفي
يسعدنا ويشرفنا تواجدكم وتسجيلكم معا
ونسال الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال
ابو اسامه السلفى
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
أهلا ومرحبا بكم في منتدى ابواسامه السلفي
يسعدنا ويشرفنا تواجدكم وتسجيلكم معا
ونسال الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال
ابو اسامه السلفى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ابو اسامه السلفى



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
كل عام وانتم بخير........ وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

 

 على ساحل بن تيمة الجزء الاول

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أبوعبدالملك




على ساحل بن تيمة الجزء الاول 8vuutv
على ساحل بن تيمة الجزء الاول 3210
عدد المساهمات : 411
نقاط : 26728
تاريخ التسجيل : 25/03/2010

على ساحل بن تيمة الجزء الاول Empty
مُساهمةموضوع: على ساحل بن تيمة الجزء الاول   على ساحل بن تيمة الجزء الاول Icon_minitimeالجمعة 23 أبريل 2010, 6:50 am

المقدمة


الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :



من الذي عنده شغف بالمعرفة ، وميل على العلم ، وحب في الاطلاع ، وهو لا يعرف ابن تيمية ؟

من الذي لديه همة في المجد ، وعزيمة في الخير ، ورغبة في الصلاح ، ثم لا يعرف ابن تيمية ؟

هل الشمس بحاجة إذا توسطت السماء في يوم صحو أن ينبه على مكانتها ؟ هل القمر في ليلة اكتماله والسماء صافية بحاجة لمن يشيد بعلوه وسنائه ؟

إن ابن تيمية بلغ من الحظوة والرفعة وسمو المنزلة إلى درجة أنه استغنى عن لقب الشيخ ، والعالم ، والإمام ، والمجدد ، وصار أحسن اسمائه أنه : ابن تيمية !

عاشت بعض الدول خمسة قرون ، ثم اندرست وذهبت فلا اثر ولا عين ، ولكن هذا الجهبذ الأعجوبة بقى في ذاكرة الزمان ، وقلب الدهر ، قصة فريدة محفوظة للأجيال ترددها الألسن ، وتترنم بها الشفاء . عاش سلاطين ووزراء ، وأغنياء ، وشعراء ، ثم ماتوا فماتت معهم آثارهم ، وعاش ابن تيمية بلا إمارة ولا وزارة ولا تجارة ، لكن بقى معنا ومع الأجيال من بعدنا حياَ في الضمائر ، ماثلاً في النفوس ، حاضراً في الدروس والمنتديات العلمية ، ومجامع المعرفة ، وصرح الثقافة .

كلما سلكنا سبل العلم ، وضربنا في فجاج الفنون ، تلقانا ابن تيمية ، فهو إمام في التفسير ، حجة في الحديث ، منظر في المعتقد ، مجدد في الملة ، مجتهد في الفقه ، موسوعة في العلوم ، بحر في السير والأخبار ، آية في الذكاء ، أستاذ في العبقرية وسامحني – أيها القارىء الكريم – إن قلت إنه أصبح اشهر من الدولة التي عاش في عهدها !. ولا نشكوا تقصيراً في حبه – رحمه الله - ، لكنا نستغفر الله إن غلونا في التعلق به ، كيف ننسى أياديه البيضاء وكلما قلبنا سفراً



فإذا هو بين صفحاته بعلمه وحكمته وفقهه واستنباطه ، وكلما حضرنا حواراً فإذا اسمه تتقاذفه الألسن ، يتقاسمه المتحاورون ، كل فريق يقول : أنا أولى به؟!.. كيف لا نعيش معه وقد فرض علينا احترامه ، وأمتعنا بحضوره ، وآنسنا بذكره الطيب ؟ كيف لا نحب من احب الله ورسوله r ؟ كيف لا نتولى من تولى ربه ؟ ، كيف لا نقدر من قدر الشرع ؟ كيف لا نجل من أجل الوحي ؟ .

نعم عندنا – الحمد لله – من الإدراك ما يمنعنا من التقليد الأعمى والتعاطف الأرعن ، والإعجاب الأحمق ، عندنا تمييز بين الذكي والبليد ، والصادق والكاذب ، والقوي والضعيف ، والصالح والطالح ، فهدانا الله بفضله وكرمه إلى معرفة فضل هذا الإمام وصلاحه وذكائه ونبوغه ونصرته للحق ودفاعه عن الشريعة ، ووافقنا على ذلك بشر كثير من العلماء والمؤرخين وأصحاب السيرة وأرباب الفنون وأصحاب التخصصات والمثقفين من المسلمين والكافرين .

دوائر المعارف تترجم عن دول بصفحتين وثلاث ، ولكنها تتحدث عن ابن تيمية بعشرين صفحة ! ، المجامع العلمية تذكر المصطلحات في سطر ، ولكنها تتكلم عن ابن تيمية في ثلاثين سطرا ، ولسنا متفضلين على ابن تيمية إذا مدحناه أو ذكرنا مناقبه أو عددنا سجاياه ، لكنه متفضل علينا – بعد الله – بفيض علمه ، وغيث فهمه ، وبركة إنتاجه ، ونور آثاره .

ولن أفضل الكلام عن هذا الإمام فهو بحر لجي لكنه عذب ، وهو محيط هادر لكنه فرات ، وهل يستطيع المرء – ولو أجاد السباحة – أن يغوص في أعماق البحر ، أو أن يهبط إلى قعر المحيط ؟ كلا لا يستطيع ، ولكنه يستطيع – فقط – أن يطل إطلالة ( على ساحل ابن تيمية ) .

غفر الله لابن تيمية رحم الله ابن تيمية ، جزى الله ابن تيمية خيراً ، وشكراً لابن تيمية على ما أهدى وأسدى وأبدى .

ولله الحمد أولاً وأخيراً .

وكتبه / عائض القرني



من هو ابن تيمية ؟

يكفي أن تعرفه بهذا الاسم ؛ فإذا قلت ابن تيمية فكفى ، ولا تزد على ذلك أوصافاً ، أهل المعرفة وأهل العلم يعرفون من هو ابن تيمية من خلال آثارة وكتبه ورسائله وجهوده وثناء الناس عليه ، وإنني أعلن – بالمناسبة – حبي لهذا الإمام العظيم ؛ أحببته لصدقه وإخلاصه ، لإيمانه وجهاده ، أحببته لعلمه ويقينه ، أحببته لعمقه ورسوخه :

أحبك لا تفسير عندي لصبوتي

أفسر ماذا ؟ والهوى لا يفسر’

وسوف لا أطيل على القارىء بالتراجم التقليدية التي تنقل من بطون الكتب ، فإن فعلت ذلك فكأني ما فعلت شيئاً ، ولم أزد شيئاً ، ولم اضف ألى المكتبة الإسلامية شيئاً جديداً ؛ إنما قصدي أن أعصر ذهني لأستخرج منه الفقه في ترجمة هذا الإمام وفي سيرة هذا العلم – جمعنا اله به في دار الكرامة - ، وزادي في ذلك الحب والمعرفة التي عمرها ثلاثون سنة .

فمنذ ثلاثين سنة وأنا أعيش مع هذا الإمام ، من خلال تراثه المبارك الذي سرى في الأمة حتى قال بعضهم : ترجمت بعض دوائر المعارف للدولة العباسية بخمس وعشرين صفحة ولابن تيمية بأربعين صفحة ! ، فانظر إلى دولة عاشت ما يقارب الستمائة سنة ، وحكمها سبع وثلاثون خليفة ، ومع ذلك لم تحظ إلا بخمس وعشرين صفحة ، وقارن بها هذا الفرد العلم الذي لم يتول أي منصب ؛ لا وزارة ، ولا إمارة ، ولم يجمع تجارة ، ومع ذلك ترحم له بأربعين صفحة ، وأقول : إنني لا أعلم عالماً حظي بالتراجم والكتابة والاهتمام والانشغال بمثل ما حظي به ، حتى إنه ليصدق عليه بيت المتنبي :

وتركك في الدنيا دوياً كأنما

تداول سمع المرء أنمله العشر

حتى إن بعض الباحثين ذكر أنه قد ألف في ابن تيمية أكثر من ثلاثة الآف كتاب ، ما بين رسالة وكتاب وبحث ورسالة دكتوراه وماجستير وبحوث جامعية .



فيا لهذه العظمة ! ويا لفتح الله على العبد إذا فتح سبحانه وتعالى .. !



طهره في شبابه



كان ابن تيمية من الصغر في عناية الله عز وجل وفي رعايته ، فلا تعلم له صبوة ، ولا تحفظ له عثرة ، لم تنقل له زلة ؛ لأنه عاش في بيت إمامه وعلم وصيانة وديانة ، فقد رباه أبوه المفتي الحافظ عبدا لحليم ، وكان أعمامه أيضاً من أهل الولاية لله عز وجل ، فنشأ بين بيته الطاهر العفيف ، وبيت الله العامر المبارك ، وحفظ كتاب من الصغر ، وتعلم السنة وأخذ الآداب الإسلامية من أهل العلم ، وحفظه الله – الحافظ – عن تهور الشباب ، وطيش الفتوة ، ونزق الصبا ، فعاش عفيفاً ديناً مقتصداً صيناً رزيناً عاقلاً محافظاً على الفرائض ، معتنياً بالسنن ، كثير الأذكار والأوراد ،بعيداً عن اللهو وعن البذخ والسرف واللعب وكل ما يشين الرجال ، وكل ما يخدش المروءة ، وكل ما يذهب الوقار ؛ فصار محل العناية من الأكابر ، حتى كان يعرف إذا مر فيقال هذا ابن تيمية ؛ لاشتهاره بين أقرانه بالجد والمثابرة وحب العلم والبراعة في التحصيل ، وسرعة الحفظ والذكاء ، وجودة الخاطر وسيلان الذهن وقوة المعرفة – رحمه الله –



جده في التحصيل

نقل المؤرخون وأهل السير أن ابن تيمية كان منشغلاً في كل أوقاته بتحصيل العلم ما بين قراءة وتكرار وحفظ ومذاكره واستنباط وكتابة وتأليف وتعليق ، فلا تراه إلا منكباً على كتاب أو جالساً بين يدي شيخ ، أو مذاكراً للطلاب، أو مطارحاً لأقرانه وزملائه ، فكل أوقاته انشغال من اولها إلى آخرها ، إلا ما كان فيه وقت مباح كنومٍ أو طعامً أو نحو ذلك ، حتى إنه لم يتزوج – رحمه الله – لانشغاله بالعلم والجهاد ونشر الخير في الناس ، ولم يتول أي ولاية ولا مشيخة ولا دار حديث ولا منصب دنيوي ، ولم يتشاغل بالمال ، ولم يذهب





في تجارة ، ولا في زراعة ، ولا في أي مهنة من المهن ، بل كان - رحمه الله – منكباً على العلم ، ثم إنه لم ينهل من علم واحد ولا من تخصص فحسب ، ولا من فنٍ فقط ، بل تبحر في جميع الفنون فبرع فيها ورد على أصحابها ، ورسخ في الجميع فصار آية وأصبح أعجوبة ً فبتحصيله يضرب المثل بين طلبة العلم ، وسيرته تعتبر نبراساً لمن اراد أن يحصل المعرفة ويبحث عن العلم ، ويصعد في سلم الهمة العالية ، فهو بلا شك قدوة في هذا الباب ، وأسوة حسنة لرواد المعرفة ، وشداة الحق ، والباحثين عن الحقيقة ، والطالبين للعلم النافع .



حفظه

أما حفظه فحدث ولا حرج ؛ فقد صار ابن تيمية مضرب المثل عند أصدقائه وأعدائه ، واعترف الكل له بأنه أحفظ من رأوا ، وعدوه من الأئمة الكبار في الحفظ ، وليس حفظاً فقط بل حفظاً بفهم ، فكان يسابق حفظه نظره ، وكان يعطى الكتاب في صغره فيقرؤه مرة فينتفش في ذهنه ، وذكر عن نفسه أنه يقرأ المجلد – بحمد الله – فيرسخ في ذهنه ، وبذلك حفظ كتاب الله عز وجل ، وحفظ السنة المطهرة ، وحفظ أقوال أهل العلم ، وحفظ الآثار ، وحفظ التفاسير ، وحفظ شواهد اللغة ، فكان إذا تلكم أغلق عينيه فسالت قريحته بنهر يتدفق من العلم النافع المبارك حتى قال فيه بعض الشعراء :

وقاد ذهن إذا سالت قريحته

يكاد يخشى عليه من تلهبه !

وقد نفع الله بهذا الحفظ ؛ فقد تركت ذاكرته القوية المباركة للأمة ميراثاً مباركاً من الكتب النافعة ، وكان يملي عليه أحياناً بعض المجلدات من حفظه في السفر وفي الحبس حيث لا توجد مكتبة لدية فيأتي بالعجب العجاب ، وينقل بعض كلام الأئمة بنصه وفصه ثم يعلق عليه ، وربما استدرك ، وينقل الأحاديث من





حفظه وينسبها لأصحابها ، أما القرآن فقد سال على طرف لسانه يأخذ ما شاء ويترك ما شاء فقد حفظه من الصغر حتى أصبح كتاب الله عز وجل عنده كسورة الفاتحة ، مع فهم ثاقب لما يحفظ ، فليس ناقلاً فحسب كما هو شأن كثير من الناس يحفظ المعلومة ثم لا يتصرف فيها ، بل كان يحفظها ويعيها وينزلها ويقدرها حق قدرها ، ويوظفها في المكان المناسب ، ويخرج مها ما شاء الله من الكنوز والعبر والعجائب ، فيأتي بما يشده الألباب ويذهل العقول من الفوائد والدرر والنكات العلمية .



ألمعيته

من تلظى لموعه كاد يعمى

كاد من شهرة اسمه لا يسمى !

الألمعية هبة يهبها الله من يشاء ،وابن تيمية له القدح المعلى في هذا الباب ، فإذا كانت الألمعية هي سرعة الخاطر وجودة الذهن ، فإن ابن تيمية الأولي في هذا الباب عن أهل العلم ؛ فقد كان يفهم المسألة بقوٍة وجدارة ، وكان يعي منا يقرأ وكان ينتزع الفائدة ويستنبط من النص استنباطاً عجيباً ، وكان إذا حاور يفهم كلام محاوره ويرد عليه في سرعة البرق ، وكان إذا كتب يسبق خاطره قلمه ، - كما يقول عنه مترجموه - ، ومن ألمعيته أنه كان يدرك الشبهة في أسرع وقت ، ويرد عليها ويزيف الزائف من الكلام ، ويثبت الحق ، ويميز بين المتشابهات ، ويفرق بين المختلفات ، وكان يوهم بعض الأئمة في بعض الأبواب من تخصصاتهم ، فأحياناً ينقد بعض المحدثين والمؤرخين ،وبعض الفلاسفة وأهل المنطق ، وعلماء الكلام ، ويرد عليهم في تخصصاتهم فإذا هو أفهم منهم بفنهم وبتخصصهم ، ومن ألمعيته – رحمه الله – أنه إذا دخل في علم قلت لا يجيد إلا هذا العلم ، ولا يحسن إلا هذا الباب ، فيأتي بالعجب للعجاب ويسهل له هذا المسلك الذي سلكه فيكون فرداً في بابه ،ويكون وحيد عصره فيما نهجه وفيما





أتخذه ؛ فألمعيته – رحمه الله – محل الشهود ومحل الاعتبار من الجميع حتى صار فرداً ووحيداً في هذا الباب .



سعة علمه

من العلماء من برع لكن في فن واحد ، فمنهم المحدث الجهبذ في حديثه ، ومنهم العلامة في فقهه ، ومنهم الفرد في تاريخه ، ومنهم الأوحد في ادبه ،ولكن ابن تيمية كان بحراً لا تكدره الدلاء ، فهو المنظر لأهل السنة في باب المعتقد ، وهو المحدث الناقل البصير الجهبذ في علم الحديث رواية ودراية ، وفي علم الرجال ، حتى شهد له المزي – وكفى به شاهداً – في هذا الباب ، وشهد له الذهبي ايضاً ،وهو فرد زمانه في هذا التخصص ، فكان يجرح ويعدل ويميز بين الروايات ،ويعرف هذا الفن معرفة تامة دقيقة ، وقد استولى على جميع أبوابه وعلى جميع فصوله وفنونه ، وهو في استنباط النص آية من آيات الله عز وجل ، فكان يورد الآية والحديث ثم يورد كلام أهل العلم ممن سبقه ، ثم يأتي بكلام زائد على كلامهم ، وربما انتقد كلامهم أو وافقه أو عارضة أو سكت ،وكان أعجوبة في التفسير ، يقرأ – كما ذكر عن نفسه – أكثر من مائة تفسير في الآية ، ثم يدعو الله ويتضرع إليه فيفتح عليه سبحانه وتعالى علماً في الآية لم يكن مكتوباً من ذي قبل ، وربما أملى في الآية الواحدة كراريس ، ونقلوا عنه أنه بقي سنوات طويلة في شرح : ( إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه ) ، وكان يأتي بالآية الواحدة ربما يذكرها بعد صلاة العصر في مجلسه فيغلق عينيه ، ثم يذكر الأقوال والترجيحات والاختلافات والنقولات وما قيل فيها ، معترضاً وموجهاً ومصححاً ومقرراً حتى صلاة المغرب كما قرأ الفلسفة ورد على الفلاسفة وزيف كثيراً من اقوالهم وردها إلى الوحي ، ورد على المناطقة وتغلب عليهم بالحجة وعلا عليهم بالبرهان ، ورد على علماء الطوائف من رافضة ومعتزله وجهمية واشاعرة وصوفية ودهرية ويهود ونصارى كل ذلك وهو معتصم بالدليل ، سائر مع النص ، متحاكم إلى الوحي .



همته

همة تنطح الثريا وعزم

نبوى يزعزع الأجيالا

ل اعلم عالماً بعد اصحاب الرسول علية الصلاة والسلام بلغت به همته مثل ما بلغت همة ابن تيمية به ، فقد اتعبته ولكنها أوصلته غلى مراقي الحمد ، ومصاف الكرامة ، وغاية المجد ، وذروة الشرف ، وسنام القبول في الأرض ، همته حركته إلى طلب العلم النافع فلم يرض بعلم دون علم ، ولم يقنع بتخصص دون تخصص ، ولم يشبع من فن دون فن ، بل رسخ في الجميع ، ومهر في الكل ، واستحوذ على قصب السبق في المعرفة ، تتجلى همته في العبادة ، فقد كان خاشعاً منيباً مخيبتا متسنناً ، كثير الأوراد صلاة وصياماً وذكراً ودعاء وقيام ليل وجهاداً وإخلاصاً وأنابه وتواضعاً وخشية لله عز وجل وغيرة وفي التأليف ، فهو من العلماء الثلاثة الذين بلغوا الغاية في التأليف ، وهم ابن الجوزي والسيوطي بالإضافة إليه ، وقد كان أكثرهم تحقيقاً وتنقيحاً ورسوخاً وعمقاً ونفعاً وأثراً في الأمة ، حتى قيل إن مؤلفاته بلغت بالرسائل والكتب أكثر من ألف مؤلف ،ولو جمعت لكانت أكثر من خمسمائة مجلد ، وقد ضاع منها الكثير ، كما تتجلى همته في الدعوة ؛ فقد اشتغل بالدعوة الفردية ، والدعوة الجماعية ، ودعوة السلطان وحاشيته ، ودعوة العامة ، ودعوة الطوائف جميعاً ، ودعوة غير المسلمين ، فدعا بالكتابة والخطابة والدروس والمراسلة ، ودعا وهو في الحبس ، ودعا في المعركة ، ودعا بالآيات البينات ودعا بالحجج القواطع ، ودعا بالراهين الساطعة ، والأدلة اللامعة ، ودعا بالمناظر والمجاورة ، ودعا مشافهة ،ودعا كتابة ؛ فكانت حياته – رحمه الله – دعوة من أولها إلى آخرها .



غيرته

الغيرة وقود ملتهب يمنحه الله من يشاء ، فيأنف من الخسة ، ويرتفع عن الدناءة ، ويعشق الكمال ، ويتلهف على الفضيلة ، ويحب معالي الأمور ، وهكذا







كان ابن تيمية يغار على محارم الله ، ويغضب كل الغضب إذا انتهكت حدود الله عز وجل .

كان يفادى بروحه الملة وصاحبها صلى الله عليه وسلم

، وقد جلد من أجل حماية جناب المصطفى صلى الله عليه وسلم

؛ فقد اعتدى بعض النصارى على الجناب الشريف بكلام فدافع ابن تيمية ، فشكاه ذلك المعتدي إلى السلطان ، وهيج العامة على ضربه ، فجلد شيخ الإسلام في مجلس السلطان بسبب هذا ، وهذا وهذا في سبيل الله عسى إله أن يأجره كل الأجر على هذا الموقف العظيم ، وألف في ذلك ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى الله عليه وسلم

كان إذا رأى المخالفة الشرعية غيرها بما عنده من فقه فكان لا يرى منكراً إلا قام كل القيام حتى يغير هذا المنكر ويدخل السوق فيغير المنكر ويغير المنكر وينبه على الباعة وأهل المكاييل والموازين وينهى الصوفية عن ابتداعا تهم ، ويغير على المخالفين من الكهنة والسحرة والمشعوذين ، وينهى عن مخالفة السنة ظاهراً وباطناً ، ويدعو الناس إلى منهجه عليه الصلاة والسلام ،،، ويقول ك لا يسع أحد في العالم الخروج على سنته r ، وكان يغار في مجلس السلطان فيقول الحق غير هياب ولا جبان ولا خائف ، بل يصدع بالحق بقلب جريء أشجع من قلب الأسد في إقدام وإصرار ، حتى هل منه السلطان ، وتعجب منه الملوك ، وخافه أرباب الدول ، واحترمه العامة والخاصة ، لما علموا من صدقه وجرأته وثباته – رحمه الله - .



سلامة مشربة

ابن تيمية صاحب المنهج الوسط العدل الصحيح الصافي ، فقد أخذ مشربة من كتاب الله عز وجل وسنه رسوله عليه الصلاة والسلام ، فلا تعرف له بدعة ولم تحفظ عليه مخالفة للكتاب والسنة ، بل كان دائماً مع الدليل ، مع الآية والحديث متبعاً من سلف من أئمة الإسلام من الصحابة والتابعين ، لا يخالفهم ، وإنما يشد من أزرهم ويقوي منهجهم ، ويدعو إلى مذهبهم وإلى منهجهم – رضوان الله عليهم – موقراً رسول الله r ، معظماً ربه كل التعظيم ن ومحترماً أئمة الإسلام ، ولا يقول بعصمة غير الرسول عليه الصلاة والسلام ، فكان – رحمه الله – الإمام المعتبر في سلامة المنهج ، وصحة المعتقد ، وصفاء المذهب ، حتى سارت على منهجه مدارس وجامعات وجماعات وطوائف ، واستحسن أهل البصيرة ما سلكه – رحمه الله – في كتبه وفي رسائله وفي منهجه الإصلاحي فجزاه الله عنا خير الجزاء .



زهده

يقول هو عن الزهد : ترك ما لا ينفع في الآخرة وحقق هو هذا القول في حياته ؛ فقد أعرض إعراضاً كليا عن الدنيا واطرحها وزهد فيها ، وعاش للآخرة ، فلم يتول ولاية، ولم يتقلد منصباً ، ولم يجمع مالاً ،ولم يأخذ أعطيه ، ولم يضع درهماً على درهم أو دينار على دينار ، ولم يبن بيتاً ، ولم يتخذ سكناً ،ولم يأخذ مزرعة ، ولم يذهب في تجارة ، ولم يعمر عمارة ، ولم يتكثر من الملابس ، ولم يتآكل بالعلم ، ولم يذهب في حاجته الخاصة الدنيوية ، بل كان جل همه العلم النافع والعمل الصالح ، فما عرف في وقته أزهد منه ، وكان يرضى بالقليل من الطعام ، وكان لا يسرف في الأكل بل يكتفي بلقيمات ، وكان يلوه أصحابه على قلة أكله ، ومع ذلك لا يغير من عادته ، متقشفاً في ملبسة ، وما كانت تعرف له إلا غرفة واحدة بجانب المسجد ، مع قلة الملابس وقلة ذات اليد ، وما كان يميز بين الدراهم ولا بين الدنانير ،وكان ما يأتيه من المال دون طلب منه يصرفه في الحال على الفقراء وعلى المساكين ، ولم يمس عنده فيما يعلم درهم ولا دينار ، فأقر له الموافق والمخالف والمحب والمبغض بأنه آية عجيبة في الزهد والانقطاع إلى الله ن وإهانة الدنيا وعدم الالتفات إلى أصحابها ، وعدم توفير خدامها ، وإنما توفيره لأهل العلم وللعباد والزهاد وللصالحين عموماً .













تقشفه





مر شيء من هذا في الزهد ، ولكن علم أنه من شبابه لم يكن صاحب رعونة ، حيث يشغله ملبسة ومطعمه ، أو تلهيه هموم بطنه وشهواته عن معالي الأمور ، بل كان – رحمه الله – يحتزيء باليسير من اللباس واليسير من الطعام ؛ فكان يلبس الثوب الواحد والعمامة على ما تيسر من ملابس ، شأنه شأن أفراد الناس مع نظافة وطهارة ن وكان ينام على ما تيسر من فوائد هذا الحديث فراش ، فلم يتخذ الفرش الوثيرة ولا اللحاف الكثير ،ولم يعدد في اللباس ، ولم يكثر من الأطعمة ، فكان ربما اكتفى بالصنف الواحد من الطعام ، مقبلاً على شانه ، مهتماً بعلمه ، مستغرقاً أوقاته في عيادة ربه ، ما بين تلاوة وقراءة ومطالعة وذكر وتأمل وجهاد ودعوة وأمر بمعروف أو نهي عن منكر أو إصلاح بين الناس .



سنيته

اتباع السنة منحة ربانية وعمل صالح مبرور من أعظم أعمال العبد ، ولا يحصل ذلك إلا توفيق من الله ، وفرق بين أن يقرأ العبد السنة ويطالعها ويحفظها وبين أن يضيف إلى ابن التسنن بها وظهورها على حركاته وسكناته ، وكذلك كان ابن تيمية –رحمه الله - ؛ فقد ظهرت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه قولا ًوعملاً ، في عباداته ، في معاملاته ، في كلامه ، في أخذه وعطائه ، في سلمه وحربه ، في رضاه وغضبه ، في تأليفه وفي رسائله ، في خطبه ودروسه ومواعظه وحواره وجدله ، فكان من نظر إليه ذكر الله عز وجل وتذكر سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام ، وكان معظماً للرسول r ، موقراً له، خاشعاً بين يدي سنته ، مستسلماً لحكمه ، معظماً لحديثه ، متبعاً لآثاره مقتدياً بكل ما صح عنه عليه الصلاة والسلام ، فظهرت بركته على أصحابه وطلابه وتلاميذه ، حتى قالوا ما رأينا أكثر عملاً بالسنة من ابن تيمية ، ولا رأينا من لاحت عليه معالم السنة في كل حركة من حركاته من شيخ الإسلام ، حتى إن من رآه تذكر رسول الهدى r ،





يذكرك به في لباسه ، في عمامته ، في قميصه ، في نومه ، في يقظته ، في أكله وشربه في ذهابه وآياته ، في مخالطته للناس وفي عزلته ، مستمسكاً بالسنة حرفاً وجملة وأثراً أثراً ، فغفر الله له .



سلفيته

ابن تيمية هو إمام السلفية في عهده والعهود التي لحقته ، فكان على منهج السلف اعتقاداً وتعبداً وعملاً وجهاداً ، فهو السلفي بمعنى الكلمة ،فلا يعرف في عهده ولا بعده من احتذى حذو السلف أو اقتدى بالسلف أو اقتدى بالسلف حذو القذة كابن تيمية ، فإنه قرر مذهبهم في المعتقد ؛ في الأسماء والصفات ، في توحيد الربوبية والألوهية ، في اليوم الآخر ، في القضاء والقدر ، في الوعد والوعيد ، في حب أهل البيت ، في حب الصحابه ، وفي كل مسألة كبيرة أو صغيرة من المسائل كان على منهج السلف ، ولم تعرف له مخالفة – رحمه الله - ، وليس معصوماً لكنه رجاع إلى الحق ، وكان مقصده أن يقرر مذهب السلف ، وهو الذي نظره وأظهر للناس ، وألف فيه وشرحه وبسطه وأوضحه وأزال الشبه عنه ، ونفض الغبار الذي تراكم عليه في القرون التي تلت التابعين ورد على خصوم هذا المنهج ، ودحض اقاويلهم ، ودمغهم بالدليل ، وداسهم بالبرهان ، فأظهر هذا المنهج أيما إظهار ، ونصره أيما نصر ، وخدمه أيما خدمة ، فصار معلوماً للخاص العام ، وعلمه في دروسه وفي خطبه ، ودعا إليه سراً وجهراً ، حتى في مجالس الملوك ، وفي ديوان السلطان ، وفي بلاط الوزراء والأمراء ن وفي مجامع القضاة فكان ينتصر لهذا المذهب ويغضب له ، ويرى أنه الحق وأنه الأسلم والأعلم والأحكم ، وكل رسائله ومؤلفاته وكتبه تشهد بذلك ، فلو قلت : إن الناصر – حقيقة – لمذهب السلف من عصر ابن تيمية إلى الآن هو ابن تيمية لما ابتعدت عن الصواب ، وكل من أتي بعده في الغالب من متبع السلف استفاد منه ، ونهج نهجه ، وانتفع بكتبه ، وسار على منواله ، فمن مقل ومستكثر ، فرحم الله هذا إمام ، ما أحسن تقريره لمذهب السلف ، وما أوضح شرحه ، وما ابسط عبارته ، وما أحسن مقاله ، وما أجمل تأليفه في هذا الباب ، حتى إنا نقر – والحمد لله – بأننا استفدنا كل الفائدة من هذا الإمام في معرفة منهج السلف في المعتقد ، وفي العبادات ، وفي السنن ، وفي كل شأن من شؤون الدين ؛ فجزاه الله عنا خير الجزاء .



ابن تيمية مع الدليل

من تميز ابن تيمية أنه صاحب دليل وبرهان ، فلا يقول قولاً له دليل في الكتاب ولا في السنة إلا أورده ، وهمه أن يعتصم في كل مسالة بآية أو بحديث ثابت ، فليس صاحب هوى وليس مقلداً متعصباً ، بل يطلب الحق أينما وجد ، ويريد الحجة ، ويفرح بالبرهان ، ويتبع الدليل ، يسير معه حيثما سار ، سواء كان في أصول المسائل أو في فروعها ، فتراه إذا كان الدليل مع أي مذهب من المذاهب – سواء كان حنفياً أو مالكياً أو شافعياً أو حنبلياً – ذهب معه وأعرض عما سواه ، وهو يوصي طالب العلم أن يعتصم في كل مسألة بدليل ثابت ، ثم لا يلتفت إلى قول أحد من الناس كائناً من كان ، ويرى أن على طالب العلم أن يدور مع الدليل حيثما دار ، ولا يكون مقلداً ، فإن العلماء ليسوا أنبياء معصومين ، وهذا الذي ميز شيخ الإسلام ؛ حيث جعل لكلامه من الخلود والقبول والرسوخ والصالة والعمق ما ليس لغيره ، فليس ضعيفاً في إيراد الكلام ، بل تجد عليه أنوار النبوة تلوح ، وعليه براهين الحق تسطع .



ابن تيمية مربياً

أثرت الشريعة على ابن تيمية في حياته وفي أخلاقه وفي سلوكه ؛ فتجده متلذذاً بالعلم سائراً معه ، قد ظهرت بركة المللة عليه في كلامه وفي حواره وفي مناقشاته وفي ردوده ، وتجده في غصون كلامه ينصح ويوجه ويرشد ويدعو ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، فقلما يورد قضية إلا وجه إلى الحق فيها وبين الصواب بقلم سيال وبلفظ جذاب ، وهو مدرسة في التربية وفي التوجيه ، ليس ناقلاً فحسب وليس مكتفياً بعرض رأيه فقط ، بل يعرض رأيه ويدعو البقية إلى طلب الحق ، فهو بهذا يربي الجيل ويوجههم إلى ما فيه خيرهم .



أبن تيمية مفسراً



في سيرة ابن تيمية انه قد حوى التفسير وطالع كتبه جميعاً ، سواء المأثورة منها أو العقلية التي تعتمد على الرأي ، ثم فهم الجميع ، وحصرها وعصرها ، ثم أخرج لنا درراً في غصون كلامه ، وقد نقل أن له تفسيراً خاصاً به ، لكن الذي طالعناه من كلامه في التفسير عجب من العجاب ، فأحياناً يورد الآية ثم يسهب في مقاصدها ومعاينها ومراميها وأحياناً يغلط كثيراً من المفسرين ويرى أهم وهموا وأخطئوا في ما ذهبوا إليه ، كل ذلك بأصالة لا تعرف الضعف ، وبكلام رجل عرف اللغة وعرف مدلول الكلام ،وعرف النقل صحيحه وسقيمه ، وعرف أراء المفسرين وأقوالهم في المسألة ، فصار بحق من أعظم المفسرين الذين مروا في تاريخ الإسلام ، واشاد كل من ترجم عنه بهذه الميزة فيه ، بل عدوا من أعظم ما تميز به ميزة التفسير .



ابن تيمية محدثاً

علم الحديث علم شريف جليل والمحدثون هم بمنزلة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهم خيار الأمة وصفوة الأجيال ، وقد أشاد بهم ابن تيمية ومدحهم بشتي المدائح ، ونوه بذكرهم وقال إن لهم نصيباً من قوله سبحانه وتعالى : ( ورفعنا لك ذكرك ) ، وأنزلهم منزلة الصحابة في الفضل ، وأنزل أهل المنطق والفلسفة منزلة المنافقين ، والرجل صاحب حديث فأحياناً يتكلم عن السد والعلل الخفية ، وأحياناً يتكلم عن الاعتبار وعن الشاهد وعن المتابعة ، كما يضيف الضعيف ، ويوهن الواهي ، ويبين الموضوع ، ويتكلم عن المعنى بكلام لا أحسن منه ، وينسب الحديث إلى من خرجه ويبين مصادر كل رواية ويبين الزيادة ، ويعرف الشاذ ، ويدرك المنكر ، ومن طالع كتبه بتمعن وجد أنه محدث من أكبر المحدثين ، بل شهد له معاصروه بذلك كالكزي والذهبي والبرزني ، وغيرهم من أهل الحديث .



ابن تيمية فقيهاً

الفقه هو إدراك معنى النص والغوص في دلالة النقل ، وهكذا كان ابن تيمية، فليس فقهه فقه من ينقل الأقوال أو يتبع كلام الأئمة ويحفظه وينقله لنا ، لكنه أدرك أقوال الأئمة جميعها ، وأقوال الموافقين والمخالفين وأهل المذاهب والروايات المختلفة لكل عالم، ثم جعل النص نصيب عينيه واستنبط منه ، ثم ذكر من وافقه ومن خالفه ، والعجيب فيه عينيه واستنبط ، والعجيب فيه سرعة بديهته ،وجودة استنباطه ، وحسن انتزاعه المعنى من الدليل ، فهو الفقيه بحق في فتاويه ، وفي تقريراته ، وفي مراسلاته ، وفى عرضه للمسائل ،حتى إن لامه لا يختلف من كتاب إلى كتاب أو رسالة إلى رسالة ، بل تجد الرسوخ ، وتجد الاتفاق ، وتجد المعنى ، فأحياناً يبسط المسألة ، و أحيانا يختصرها ، لكن المقصود أن كلامه واحد لا يتغير .



ابن تيمية مناظراً

نقل عنه أهل السير انه كان يحضر مجالس المناظرة ، وتعقد له مناظرة مع خصومه ومخالفيه فيأتي بما يبهر الألباب ، ويعلو عليهم وينتصر بالحجة الدامغة ، والبيان الخلاب ، والذاكرة الواعية ، والبديهة اللماحة ، حتى إنه ناظر كثيراً من الطوائف في حضور السلطان وعلى مرأى من الخاصة والعامة ، فكان الحق معه وان الله يؤيده ؛ لأنه يريد الحق وحده ، وقد ذكر كثير من أهل التاريخ أن علماء الطوائف اجتمعوا له وهم في وصف وهو وحده في وصف قال بعض المؤلفين واصفاً الموقف : ولكنها بحيرات صغيرة صادفت – والله – بحر ثجاجاً ، وذرات صادفت جبلاً راسخاً ‍ وكان لا يكل ولا يمل من المناظرة ، بل كان يستدرج من يناظره ويحاوره حتى يوقعه ويصرعه ، كل ذلك ومقصوده أن يكون الحق هو المنتصر في الأخير ، فليس قصده المغالبة لذاتها ، ولا قصده الظهور والشهرة ولا قصد أن تكون له منزلة ولا مكانة ، فقد ترك المنازل الدنيوية لأهلها ، وأبى المناصب وعاف الولايات ، واعرض عن المال – كما أسلفنا – فالمقصود انه ما كان يحجم ولا يجبن وقت المناظرة ، بل كان جرئياً ذا قلب شجاع ثابتاً كالأسد في حومة الوغى .



ابن تيمية مجاهداً

عرف ابن تيمية بالجهاد العلمي والعملي ، فجاهد جهاد الكلمة ، عبر الدروس والخطبة والمحاضرة والوعظ والنصائح والكلمة ، عبر الرسالة والمؤلف والفتوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والجهاد بالنصائح عند السلاطين ، وعند الظلمة ، وعند المخالفين من الطوائف،والجهاد بالسيف ، فقد حضر غزوة ( شقحب ) ، ودعا الناس للجهاد ، بالفطر في رمضان ، وثبت ثبات الجبال ،وأبلى بلاء حسناً ،ودخل على السلاطين بقلب جريء ثابت ، حتى تعجب منه الناس وذهل منه أصحابه وقالوا: ما رأينا أشجع منه ، لا كل ولا مل ولا جبن ، فغفر الله له .



ابن تيمية عابداً

لا خير في العلم إذا لم يورث عالماً عابداً صاحاً مصلحاً ولا أثر لمعرفة الإنسان الإنسان إذا لم ترشح على تصرفاته أخلاقاً وسلوكاً ، كان ابن تيمية في جانب العبادة من الصالحين الكبار ، عمل بعلمه، - رحمه الله – في عباداته الخاصة ، فكانت صلاته طويلة ، مخبتاً في ركوعه وسجوده ، كثير الذكر حتى إنه لا يفتر لسانه ، وربما استغفر ألف مرة أو أكثر الابتهال ،وكان يردد دائماً لا حول ولا قوة إلا بالله ، وكان كثير الابتهال والتضرع ، كثير الدعاء والبكاء ، كثير المسألة والإنابة ، كثير التوبة ،وكان يرى أن زاده هو الذكر ، وأن قوته هو التسبيح ، وكان يجلس بعد صلاة الفجر إلى أن يتعالى النهار وهو يردد الفاتحة ،ويمضي الليل الطويل ما بين الركوع والسجود والقنوت والبكاء والتضرع ، وكانت تلوح عليه أنوار الطاعة ، وإذا خرج إلى الأسواق ورآه الناس كبروا وهللوا ، ومن رآه ذكر الله عز وجل ورأى فيه القدوة المثلى والأسوة الحسنة ، وكان إذا قرأ القرآن قرأه بصوت خاشع مبك حزين ، وكان له تأملات في كتاب الله عز وجل وله تدبر ، وكان كثير الصدقات ، كثير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كثير الإصلاح بين الناس ، كثير التواضع ، جم الأخلاق ، عفيفاً منيباً صادقاً .



كلامه عن اليهود

فقد كشف ابن تيمية زيفهم وبين مخازيهم في كثير من كتبه وفي غصون كلامه ، شارحاً للآيات التي وردت بصددهم ، عارفاً – رحمه الله – ضررهم على الأمة وما فعلوه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ملماً بكتبهم وفرقهم وطوائفهم ، كل ذلك وقصده محاربتهم وحماية الدين منهم .



كلامه مع النصارى

عايش ابن تيمية النصارى في الشام وعرف طوائفهم وفرقهم معرفة تامة ، وألف كتاب ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) يبين فيه زيفهم وخطورتهم على الإسلام وما خالفوا فيه شرع الله عز وجل وما ضلوا فيه ، فإن النصارى علموا بلا علم ، واليهود عندهم علم بلا عمل ، فبين – رحمه الله – ما على النصارى من مؤاخذات تقدح في أصول الشرائع وتخالف ما جاء به الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وما نزلت به الكتب ، كل ذلك بالإنصاف والحجة والرهان والعدل ، ليس بالتشهي ولا بالهوى .



كلامه مع الملاحدة

الإلحاد جريمة كبرى في الدنيا ولعنة ساحقة ما حقة في العالم ، وهو قديم ، وهو قديم قدم الظلالة في الأرض ؛ ولذلك كان ابن تيمية – رحمه الله - يتصدى لهذا النفس سواء من أهل النظم أو أهل النثر ، ممن انتسب للإسلام أو من المنتسبين لغيرة من الفلاسفة واهل المنطق ومن سار على منهجهم ، فيبين انحرافهم المشين ، وغوايتهم الظاهرة ، وسبب كل غواية ، بل يأتي إلى الملحد فيبين أصل إلحاده ، ومنشأ هذا الإلحاد وسببه وأقوال ذاك الملحد ونقولاته ، سواء كان من الصوفية الاتحادية أو الحلولية وسواء كان من أهل الفلسفة أو من أهل المنطق ، أو من أهل الهوى والزيف ، وقد يجمع له رسالة في ذلك ، أو كتاباً مستقلاً في غصون كلامه في مؤلفاته.



كلامه مع الرافضة

من أحسن كتب شيخ الإسلام على الإطلاق ( منهاج السنة ) ، ولو ذهب ذاهب من مكة إلى الصين حافياً ماشياً لطلب هذا الكتاب لكان سفره قليلاً ! فإن الرجل بحق أتي بكتاب لم يسمع بمثله ، وجادت قريحته بهذا المؤلف المبارك الخالد ، فبين كل البيان بالأدلة الشرعية القاطعة ، والحجج العقلية ، وبالتنزل ، وبالحوار الصادق ، وبالكلمة الجزئية الناصعة مخالفة الرافضة لأهل السنة ، واعتداءهم على أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ، وبهم للشيخين ، وكذبهم وافتراءهم وعدم معرفتهم بالتقل ، وعدم صدقهم ،وعدم وضوحهم في المنهج ، والعجب في هذا الكتاب أنه يستدرج خصمه ويستزله ثم يحفر له قليباً – كما يقول بعض أهل العلم - ، ثم يضعه فيه ، ثم يطم عليه ويتركه مكانه ‍. ومنهاج السنة ظهرت فيه أمور منها : الانتصار لأهل البيت ، ولأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ومنها بيان الكذب والزيف الذي دخل على الأمة من طريق الرافضة ومنها أن الحق ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل البيت، وفي أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام ، وفي المعتقد ، وهو الذي عليه أهل السنة واتباع السلف الصالح .



كلامه عن الخوارج

الخوارج قوم مارقون منتسبون إلى الإسلام ، وأخبر r بأنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم ، وصيامكم غل صيامهم وتلاوتكم إلى تلاوتهم ولهم أتباع ويرون الخروج على أئمة الجور ، ويرون سل السيف على الأمة ،ويكفرون بالكبيرة ،وقد تتبعهم ابن تيمية في كتبه وبين مخالفتهم واصل نشأة فكرتهم الضالة وبين أسباب شططهم وجورهم ، ودمغهم بالدليل ، وبين الحق الذي ينبغي في هذه المسائل بياناً شافياً كافياً لا عوج فيه ، فأثبت أن أهل السنة ليسوا خوارج بل هم متبعون للدليل لا يخرجون على أئمة الجور ولو ظلموا ما لم يروا كفراً بواحاً ، ولا يكفرون صاحب الكبيرة ما لم يستحلها ، بل هو مؤمن ناقص الإيمان أو فاسق ، ويأخذون بالكتاب والسنة ،ولهم منهج آخر مغاير للخوارج الضلال .



ابن تيمية وكلاه عن المرجئة

والمرجئة قوم يقابلون الخوارج ؛فهم يرون أن أصل الإيمان واحد ، وأنه لا يزيد ولا ينقص ،وأنه يضر مع الإيمان ذنب ، وأن صاحب الكبيرة مؤمن كامل الإيمان ، وهذا كله خطأ مخالف للكتاب والسنة ، وقد بين ابن تيمية خطورة هذا المسلك ، ورد عليه في كتبه ،وشرح وبسط ، وبين أن أهل السنة ليسوا مرجئة ،وأن الإيمان يزيد وينقص ؛ ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، وأنه متفاوت والناس متباينون فيه على درجات ، وان إيماننا ليس كإيمان أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وأن صاحب الكبيرة فاسق بكبيرته ناقص الإيمان ، وأن الذنب يضر في الإيمان ، وكل ذلك مخالف لما سارت عليه هذه الفرقة .



ابن تيمية والجهمية والمعطلة

نشأت ناشئة من معطلة النصوص عطلوا أسماء الله سبحانه وتعالى الحسنى وصفاته العلا ، ألحدوا فيدين الله عز وجل ، وقالوا بخلق القرآن ، وقد صار لهذه الفرقة شأن وصوله وجولة في عصر المأمون ،وتصدى لهم الإمام أحمد – رحمه الله – في مسالة القول بخلق القرآن ، وأتى ابن تيمية بعده بقرون فبين أصل هذه الشبهة ، ورد عل الجهمية رداً مفصلاً في كثير من كتبه ودحض زيفهم ،وبين أن أهل السنة ليسوا جهمية معطلة ، وأنهم يثبتون الأسماء والصفات كما أتت في الكتاب والسنة ، بلا تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه ولا تحريف ولا تعطيل ،وأن القرآن كلام الله عز وجل ليس بخلق من خلقه، وإنما هو من أمره تبارك رب العالمين .





ابن تيمية وكلامه عن المعتزله



والمعتزلة قوم قدموا العقل على النقل ، وقدموا الرأي على الدليل ، وأثبتوا الأسماء ونفوا الصفات ، فتتبعهم ابن تيمية ورد عل أئمتهم ردوداً ، وأورد من الأدلة القاطعة والجامعة المانعة ما يؤيد مذهب أهل السنة في الباب ، وأن أهل السنة ليسوا معتزلة ، وأن النقل مقدم على العقل ، وبين أن العقل أصلاً لا يتعارض مع النقل ،وأتي بكتابه الشهير الخطير الذي يقول عنه ابن القيم ما طرق العالم مثل هذا الكتاب وهو ( درء تعارض العقل والنقل ) في عشر مجلدات كبار ، بين فيه هذه الشبه وزيفها ، ودحضها وأقام الحجة وأوضح المحجة لأهل السنة بجواب شاف كاف .





ابن تيمية والأشاعرة

الأشاعرة اقرب الناس لأهل السنة ، ومن أئمتهم أناس نفع الله بهم ودافع بهمم عن المللة ، بل ردوا على المعتزلة وردوا عل الجهمية المعطلة ، ولكنهم خالفوا أهل السنة في كثير من المسائل ، بينها الشيخ ابن تيمية في كتبه وأوضح الحق في ذلك ؛ كمخالفتهم في إثبات سبع صفات ونفى الباقي من الصفات ، وبين أن القول في بعض الصفات كالقول في البقية ،وأن من أثبت صفاته لله عز وجل يلزمه أن يثبت بقية الصفات ، وأن القول في الصفات كالقول في الذات ، وقد ذكر هذه القواعد في رسالته المباركة ( التدمرية ) ، فليس أهل السنة اشاعرة بل يثبتون الأسماء والصفات عل ما جاء به كتاب الله عز وجل وسنة الرسول r ويتقيدون في ذلك بالدليل ، وهم على ما قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما قاله تابعوهم بإحسان ، فليعلم ذلك .



ابن تيمية ولاكلامه عن الصوفية

كتب ابن تيمية كتاب ( الاستقامة ) وجله عن مذهب التصوف ،وله كلام في الصوفية في فتاويه ورسائله وفي كتب أحرى ، بين الحق فيها زيفهم ، وبين منهم الغالي وصاحب البدعة المكفرة والمفسقة ، ورد على الحلولية وعلى الاتحادية وكفرهم ، وذكر ائمتهم وبين شبههم ومخالفتهم لكتاب الله عز وجل وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام ، وكشف خطورة منهج التصوف على الدين ؛ لأن الصوفية أماتوا الدين وعطلوا النصوص ، وأماتوا الجهاد ، وشابهوا النصارى في قتل النفس ،وفي منعها من المباح ، وفي الصعاب ، وابتداع طقوس ما أنزل الله بها من سلطان ،وانتهاج نهج مخالف لأهل السنة في سكناتهم ، في موالدهم وفي اجتماعاتهم ، في هيئاتهم في خزعبلاتهم وترهاتهم ، كل ذلك رائدة الدليل والحق وليس الهوى والتشهي .



ابن تيمية وكلامه عن القدرية والجبرية



أهل السنة يثبتون لله قضاء وقدراً فالذي قدر الأمور هو الله عز وجل ، سبق علمه ثم كتابته ثم مشيئته ثم إنقاذه لقضائه وقدره جل في علاه ، وخالف في ذلك طائفتان ؛ قدرته يرون أن الأمر لم يقدر وأنه أنف ، وانه لم يسبق علم من الله عز وجل ، ومنهم من قال لم يسبق علم ولم يسبق كتابه ، ومنهم من قال لم يسبق علم بل سبق تقدير ، فأخطأ هؤلاء وهؤلاء ، والصحيح أنه سبق علم وتقدير ومشيئة ثم إنقاذ ، وقابلهم فرقة أخرى وهم الجبرته ، وقالوا : إن العبد مجبور على فعل المعصية ، وأنه لا مشيئة للعبد أبدا ، ببل هو كالريشة في مهب الريح ، وكالميت بين يد الغاسل ، فبين ابن تيمية ، فبين ابن تيمية خطأ هؤلاء ، وخطأ هؤلاء ، وبين أن للعبد مشيئة تحت مشيئة إله عز وجل ، وأنه ليس مجبوراً على المعصية ، وأن له اختياراً تحت اختيار الله جل في علاه، وأن الحجة البالغة له سبحانه وتعالى ، وأنه لا حجة لعاص على الله تعالى بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب .







توقيع ابن تيمية

لابن تيمية كلام خاص يستميل العقول ، وله عبارات أخاذة مؤثرة تعلم بالاستقراء أنها لابن تيمية ، فمن سبر كتبه وقرأ رسائله وتبخر في علومه حفظ له مصطلحات وجمل وكلمات كأنها من الأمثال عند الشعراء ، أو من الشواهد عند البلغاء ، حتى تصلح أن تكتب في براويز وأن تعلق من جودتها ومن سطوعها ، مثل قوله : إن المعاصي تمنع القلب من الجولان في فضاء التوحيد ، مثل قوله: ليس في العالم أحد يدور معه الحق حيثما دار إلا محمد r ، فكلامه حجة على غيره وليس كلام غيره حجة عليه، ومثل قوله : الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة ، والورع ترك ما قدر يضر في الآخرة ،ومثل قوله : عن الفقير والغني أفضلها أتقاهما عند الله ،ومثل قوله : علم الفلسفة كلحم جمل غث على رأس جبل وعر لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل ، ومثل قوله عن علم الفلسفة – أيضا – إنه لحم خنزير في طاسة من ذهب ؛ يعني أنه خبيث في عبارات براقة ، ومثل قوله : من اعتقد أنه سوف يهتدي بهدى غير هدى الله الذي أرسل به محمداً

r ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرفاً ولا عدلاً يوم القيامة ، ومثل قوله : كل أرض لا تشرق عليها شمس الرسالة فهي أرض ملعونة ،وكل قلب لا يهتدي بهدي هذا الدين فهو قلب مغضوب عليه .

الشاهد أن للشيخ عبارات براقة سارت ها الركبان،وحفظها الأذكياء من الناس ، وصارت كالطابع على البريد، وكالختم على الخطاب ، تحفظ حفظاً وتنقل نقلاً .



عباراته



ابن تيمية له أسلوب خاص يعرف بالاستقرار ، حتى إن من أدمن النظر في كتبه يعرف كلامه ولو لم ينسب غليه ، فجزا لته وفخامته وقوته وإشراقه تميز عن كلام غيره من العلماء ، فليس فيه ضعف وليس فيه هشاشة ،وليس فيه تصنع ،وليس فيه تنطع ولا تكلف ؛ بل تجد النصوع والقوة والتدفق والجلالة ،مع ماكساه الله عز وجل من بهاء ؛ لأن صاحبه متبع للدليل مؤمن بربه ، صالح في نسه ، فأثر ذلك في كلامه حتى صارت عباراته أخاذة يفيد منها الخطيب والواعظ والمؤلف والمصنف واصبح من أراد أن يقوي كلامه يأخذ في غصون حديثه كلاماً لابن تيمية فيصبح مقبولاً عند الناس ن وهذا من فضل الله على هذا العبد الصالح الجليل ن فليس فقط صلاحه في نفسه وتأثيره في كلامه ن بل تأثيره في كتبه وعباراته الرائدة الرائعة .





استدلالاته



ابن تيمية – كما أسلفنا – صاحب دليل وبرهان ،وهو يستدل بالنقل وبالعقل ،ويستدل بالحال ،ويستدل بالمشاهدة ، وله في ذلك مقامات جليلة في عرض المسائل، فهو يعرض الآية ويشرحها ويفصلها ،ويعرض الحديث الصحيح ويبينه ، ثم يعرض الشبهة العقلي ويردد عليها برد عقلي ،ويرد على القوم من كلامهم ،ويظهر تناقض الخصوم ويبين عوارهم ويظهر زيفهم للناس، فهو ليس عاطفياً يجلب بخيله ورجله بلا برهان ولا دليل، بل يطيل النفس في الاستدلال ، وتمضي معه في توافقه في استنتاجه وتعلم أن الحق معه ؛ لأنه يذهب معك في طريق طويل ، ثم يجمع في هذه الطريق كل ما يساند قوله من الحجة والبرهان والمثل والشاهد والآثار والاعتبار ، كل ذلك مع نفس تأبي الظلم ولا تريد الباطل ن إنما تنشد الحق أينما كان .





طول نفسه



ابن تيمية – رحمه الله – واسع البطال وليس محدود الثقافة ، فإذا كتب استطرد لجودة محفوظة وكثرة علومه وتعدد معارفه وتنوع تحصيله العلمي ، مع ذاكرة جبارة هادرة غنية ثرية تثري الموضوع وتكفي وتشفي ، فيطول نفسه ويسيل قلمه ويدخل من باب إلى باب ، ومن علم إلى علم ، ومن فن إلى فن ، فلا يزيد إلا إشراقاً ، ولا يزيد إلا لموعاً ، ولا يزيد إلا عظمة وفخامة وجلالة ؛ وسبب ذلك ما آتاه الله عز وجل من استعداد فطري للعلم ، ومن قوة حافظته ، ومن غزارة مادته ، ومن صبر وجلد ، يظهر ذلك في كتاباته ؛ فأحياناً يوجز في الجواب ويقول قد بسطت ذلك في موطن ، كذا ، وأحياناً يكرر الجواب ولكنه لا يكرره بفصه ونصصه ، بل يأتي بفوائد عجيبة وغريبة لم يوردها في الجواب الأول ، وربما عرضت له القضية عشرات المرات فيجب ويتكلم ، ثم يأتي بفوائد لم توجد أصلا في العشرات التي مرت ، ويسأل أحياناً عن مسألة فيجيب عليها ، ثم يأتي باستطرادات عجيبة وطريقة وشريفة تكون للسائل أفضل ضل وأفيد من جواب السؤال الذي سأل عنه ، وهذا منهج معروف في الشرع .



سرعة خطه



من لطائف سيرة الشيخ ابن تيمية أنه سريع الخط ، فخطه أسرع من كلامه إلا أنه معلق اشد التعليق ومغلق ، يفكه بعض تلاميذه كابن رشيق وغيره ، ولكن الساهد أنه ربما ألف في ألف الواحد أربع كراريس ،وربما ألف الجلسة الواحدة كتاباً ( كالتدمرية ) ، و ( الحموية ، و( الواسطية ) ، وقد درست كل واحدة منها في سنة دراسية في الجامعات ، وربما كتب كتاباً في عدة أيام ، فكان يتناول القلم ثم لا يتوقف ، وليس عنده أوراق ولا مراجع ولا كتب قريبة منه ثم لا مصنفات ، وإنما يفيض الله سبحانه وتعالى عليه من فتوحاته، ومما استودعته ذاكرته العجيبة القوية ، فتنهال عليه وتسخو ، وتمطره بشآبيب من المعرفة ، وتسح سحاً وتسيل سيلانً ، وتتدفق تدفقاً ، فيكتب سريعاً مملياً كل ما جاد به خاطره في الموضوع ، من شرح لآية ، أو بسط لحديث ، أو كلام عقلي ن أو كلام معرفي ، أو كلام لخصومه من الفلاسفة وأهل المنطق وعلماء الكلام والفقهاء والصوفية ، ومن سار مسيرهم من كافة الطوائف .













تعدد معارفه

سبق القول عن تفنن ابن تيمية في العلوم ، وأضيف هنا إن ابن تيمية لم يكتف بمعرفة دون معرفة ، ولم يتخصص في فن دون فن ، بل ابحر وتعمق في كثير من الفنون والمعارف ، حتى إنك إذا قرأت له في فن تظن أنه سخر حياته لهذا الفن فحسب ، وانه اعتنى بهذه المعرفة فقط ، وما ذاك إلا لعدة أمور ، منها : ما وهبه الله – عز وجل – من ذكاء بارع ، ومن ذاكرة قوية ، ومن جد ومثابرة ، ومن تفرغ للبحث والقراءة والاستفادة ، ومن نفس وثابة وهمة عالية لا ترضى بالدون ؛ فإنه على سبيل المثال أتى إلى علوم أجنبية كعلم الفلسفة والمنطق وعلم الكلام فمهر فيها وأبحر ورسخ ، ثم رد على أصحابها ونقض شبههم شبهة شبهة ، بين الحق في هذه المسائل ، وقد رأينا وقرأنا لمن تبحر في علم الحديث مثلاً ، فأفتى عمره في هذا العلم ثم لم يستطع أن يكون فقيهاً ،ورأينا من رسخ في علم الفقه ومهر فيه ثم لم يستطع أن يكون محدثاً ، ورأينا من تخصص في علم التفسير وأمعن النظر فيه فصار مفسراً ، لكنه قصر في
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
على ساحل بن تيمة الجزء الاول
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» على ساحل بن تيمة الجزء الثانى
» أمراض القلوب وعلاجها(الجزء الاول)
» أمراض القلوب وعلاجها(الجزء الثانى)
» التحفة العراقية فى الأمراض القلبية (الجزء الثانى)
» من عرف شرف ما يطلب هان عليه ما يبذل(1) - الجزء الثاني- خطبة 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ابو اسامه السلفى :: العلماء والدعاه-
انتقل الى: