بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمد لله نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله.
اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .
ـ أما بعد ـ
إخوتاه،،،
يا لهفَ نفسي على خلٍّ افتقدت يدي يدَه..
يا لهفَ نفسي على أخٍ كان ودي ودَّه..
كان يجمعنا رباط فتناثر عقده..
كان لا يفارقني سبيلاً، فكيف بغول الطريق بعدَه؟
وكأنَّ الدنيا تأبى حبيباً تديمه فما يلوح حتى ترده ..
وكيف صفاءُ العيشِ للمرءِ بعدما تغيَّبَ عنه رهطُهُ وحِبُّه؟
أما كان ربي ربه؟
أما كان قصدي قصده؟
أما كانت صلاتنا صلات قلوبنا أم قد قطع عهدَه؟
أما كنا إذا باشرنا معا أمراً تدنو أقاصيه ويهون أشده؟
يا قوم إنِّي أريد أخي هذا فمن ذا يدلني عليه حتى أرده؟
أخبروه عما لحقني منذ أبلاني فقده..
عساه يحنو لي ويصفو وجده..
قولوا له: ما زال حزينا بلقاء غيرك، فطيّبه فإنَّ وجهك سعده.
إخوتاه،،،
إي والله؛ لا شيءَ في الدنيا أحبُّ لناظري من منظرِ الخلانِ والأصحابِ المتحابين في الله.
ولكن أين هم؟ أين المتحابون في الله ؟ !!
في زمن الغربة يمضي الإنسان يبحث عن حبيب، يبحث عن نصير، يبحث عن معين، وهو في الأصل يكتفي بالله عز وجل أنيسا ومعيناً ونصيراً، ولكن مع كثرة الأعداء وكثرة الشبهات والشهوات وقلة الأتباع والأنصار يجد المرء نفسه يناجي ربه يشكو إليه ما صار إليه الحال الآن " اللهم إننا نشكو إليك ضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربنا، إلى من تكلنا؟ إلى قريب يتجهمنا؛ أو إلى عدو ملكته أمرنا؟؟ إن لم يكن بك غضب علينا فلا نبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لنا، نعوذ بنور وجهك من أن ينزل بنا غضبك، أو يحل علينا سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك " .
نعم والله، إن هذا الدعاء لينطق بحرقة قلوبنا مما نحن فيه في هذه الآونة، ومن خلال تلك الكلمات تجد قلباً مكلومًا، يبحث عن حبيب يصفو إليه، ويأوي إليه، ويبثه همومه، ويحمله أحزانه، ويشاركه أفراحه وأتراحه.
أين هذا الصديق؟ أين هذا الأخ الحبيب؟ أين؟ أين؟
قلَّ الصديقُ وإِنْ أصبحتَ تعرفُ لي مكانهُ ، فأَبِنْ لي أينَ أقصدهُ
إخوتاه،،،
آهٍ على زمن اتخذ الناس فيه أهواءهم آلهة من دون الله!!
آهٍ على زمن عبد الناس فيه المادة وأقبلوا على المنافع والمصالح!!
آهٍ على زمن الفرقة والشتات..
آه على زمن قانونه "خذ وهات"..
زمن الجلب دون العطاء..
زمن الأنانية وحب الذات، بل قل: عبودية الذات..
زمن النفوس المدلهمات..
زمن القلوب المظلمات..
آهٍ على زمان الأفاعي والحيات ..
يا قوم إني أبحث عن حبيبي في الله..
عن مؤنسي في وحشتي..
عن مشاركي في غربتي..
فهل بالله وجدتموه ؟ هل بالله رأيتموه ؟
عَجِبْتُ لإبعاد النوى من نُحِبّ، وتَدْنو بمن لا يُستلذُّ له قُرْب، والبين مشجي قلبي ومسبل عبرتي.
فيا رب؛ حبيبي فيك.. أخي فيك.. لا تحرمني أنسه.
يا رب؛ اجمع بين قلبينا.. فإني لا أطيق بُعده.
إخوتاه،،،
نريد أن تصفو قلوبنا بعد هذا الكدر الذي أفرزه واقعنا المرير، فإنَّ أساس قضية "الأخوة" صفاء القلب لله، هذا الصفاء الذي يثمر طمأنينة الفؤاد وراحة البال وهدوء الضمير، فلا نرتقب خوف الغدر وحسد الأعين وأذى الأيدي وكيد القلوب وحقد النفوس.
إنها ظلال الحب في الله.. لا أخوة المصالح وصداقة المنافع التي شاعت في هذا العصر، نحتاج إلى أخٍ كالمرآة الصافية، يقيل كل منا الآخر من عثراته، يحوطني وأحوطه من ورائه، يقيمني وأقيمه، يعينني وأعينه.
فأين هذه الأخوة ؟!!
من أين لي والمنى ليست بنافعةٍ بخلّ أرى فيه أغراضي وأوطاري؟
يمسُّه الخطبُ قَلْبي ثم يصرفُـهُ عني ولو خاضَ فيه لُجَّـةَ النـارِ
إخوتاه،،،
سأضرب صفحاً عن مناشدتكم هذا الأخ الحبيب، إذ السبيل إلى إيجاده يبدأ عملياً من ذات كل واحد منا.
إنني كي أجده لابد أن أبدأ بنفسي، فأكون أنا أخاك قبل أن أنتظر أن تكون أنت أخي.
نعم ـأُخيَّ- كن أنت أخا لكل من ترجو منه نظير ذلك، تجنِ جزاءك وفاقا .
إخوتاه ..
لعل مثل هذا الكلام يمر على خاطركم، فتستشعرونه هنيهة، ثم لا تلبثون بعد ذلك أن تنطلقوا إلى مألوف ما استمرأت عليه الأنفس، لعل بعضكم يجد في هذا الحديث تهويلا في نوع من معايشة الأكاذيب والأوهام التي نحاول تصديقها فرارا من الجزع واليأس. وطامة هؤلاء أن تعلقت قلوبهم بالنتائج وسرعة جني الثمار، والأصل أننا نبني ولو لبنة، ونزرع ولو بذرة، ثم الأمر كله لله نفوضه إليه، ولكن نبقى دائما نمحص الدعوة، ونتهم أنفسنا، ونلقي باللائمة علينا، فنحن لا نعمل للناس، نحن نعمل من أجل رب الناس، وتوفيقه مرهون بإصلاحنا لأنفسنا، فلا يضيرك بعدها شيء لأنك اخترت الله. فمحاولة النقد الذاتي ليس فيها تعجيز ولا تهوين ولا شرخ للصف، بل هي محاولة لتمحيص النوايا وتجديد الإيمان الفينة بعد الفينة بالمواجهة الصريحة، ولا نعبأ بعد ذلك بقول قائل، فإننا لا نبغي سوى رضا ربنا.
وقد يتلقى بعضنا مثل هذه الدعوات بنفس جزعة، لا تنزع من قولة: "ليت"، ولسان حالهم كما قالت العرب قديما: "قد كان ذلك مَرَّة فاليوم لا "، وهؤلاء مرضى الجزع لا صبر لهم البتة، والخطب مازال هيناً، فما يدريك والبلية أعظم " هذا ولما ترى تهامة !! " وامتحان الإيمان في الصبر: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران/165]
نعم إنَّ مصابنا الآن في فقدان إخواننا الذين افترستهم الدنيا حتى تكاد تعدم الحبيب في الله. إنَّ تلك البلية تحتاج إلى تصحيح للنيات من جديد، وبداية لصحوة جديدة قبل أن تهلكنا الدنيا، والتي عادت كأن لم يعد شيء سواها يهمنا.
لا .. لا إخوتاه لسنا لمثل هذه ننتسب، لسنا حاملي هذه الجنسية، فنحن فيها غرباء، فلا تزيدوا الوحشة، إنما نهفو لأن نكون مواطني الجنة، أم قد نسيتم؟!!
إخوتاه ..
الإخلاص الخلاص، وإنما يتعثر من لم يخلص، ولا يخلص إلا من يراد. إنَّ الفوضى والعبثية والاضطراب والتخبط والتلون وعدِّد كما شئت من هذه البليات.. كل ذلك مآله ومرجعه إلى عدم الإخلاص ثم عدم المتابعة.
لابد من سبر أعماق النفس حتى نتخلى عن عيوبها.. نريد قلوبا تشتاق لرضا الله جل وعلا.. نريد رجالا لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، فهؤلاء أهل التمكين، وهؤلاء هم الإخوة.
إخوتاه ..
تعالوا بنا نعيد بناء صرح الأخوة الشامخ، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة إني أحبكم في الله، وأسأل الله تعالى أن يظلنا جميعا بظله يوم لا ظل إلا ظله بما تعاقدت عليه القلوب من الحب فيه جل وعلا.
تعالوا نداوي تلك الآفات؛ فإن نسيجنا الأخوي يحتاج إلى إصلاح وتجديد وصيانة، فتلك الروابط التي كانت تجمع قلوب الأخوة قد بليت، والحاجة ملحة إلى إعادة إقامتها من جديد.
نعم ـ إخوتاه ـ إن تلك الوشائج والأواصر التي كانت سمة بارزة للملتزمين، وكانت الصفة الواضحة لحياتهم، قد توالت عليها الخطوب والمحن، فلم تصمد أمام التيارات الجارفة، فضعفت ووهنت حتى دبَّ الشيب في أوصالها، فما عادت قوية فتية كما كانت.
إنَّ صرح الأخوة الشامخ لابد أن يسمو بالنفوس لسماء الإيمان، فتظل حائمة حول العرش لا يدنسها خشاش الأرض، والطريق الوحيد هو الواقعية في المواجهة لنحاول علاج الأدواء التي ترسبت عبر السنين الماضية، بيد أنَّ هذا لا يتأتى دون استشعار الفاقة والإحساس بحجم البلية، ولا يكون حتى تتكاتف الأيدي وتتلاقى القلوب، ويمضي الجميع يحفهم منهج السلف سائرين وفق أصوله وقواعده، فيحفظهم من التخبط والاضطراب .
تعالوا نعيد ترتيب منظومة " الأخوة "، وهذا لا يتم حتى نعود لنتبين الأهداف والسبل الشرعية للوصول لتلك الغايات؛ فإذا كان هدفنا هو بناء المجتمع الإسلامي الذي يحيا في ظل شرع الرحمن، فإنَّ لبنة هذا المجتمع تنبع من هنا؛ من صرح "الأخوة ".
فهلموا ـ إخوتاه ـ نسير في ركب الأخوة نحاول تعميق أواصرها، فذاك منشدنا ومطلبنا. والله المستعان.