قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لسعد إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا ازددت بها درجة ورفعة حتى اللقمة تضعها في في امرأتك فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يلوم على العجز الذي هو ضد الكيس وهو التفريط فيما يؤمر بفعله فإن ذلك ينافي القدرة المقارنة للفعل وإن كان لا ينافي القدرة المقدمة التي هي مناط الأمر والنهي فإن الاستطاعة التي توجب الفعل وتكون مقارنة له لا تصلح إلا لمقدورها كما ذكرها في قوله هود ما كانوا يستطيعون السمع وقوله الكهف وكانوا لا يستطعيون سمعا وأما الاستطاعة التي يتعلق بها الأمر والنهي فتلك قد يقترن بها الفعل وقد لا يقترن كما في قوله آل عمران ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا وقوله صلى الله عليه وسلم لعمر أن صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنبك فهذا الموضع قد انقسم الناس فيه على أربعة أقسام قوم ينظرون إلى جانب الأمر والنهي والعبادة والطاعة شاهدين لألوهيته سبحانه الذي أمروا أن يعبدوه ولا ينظروا إلى جانب القضاء والقدر والتوكل والاستعانة وهو حال كثير من المتفقهة المتعبدة فهم مع حسن قصدهم وتعظيمهم لحرمات الله وشعائره يغلب عليهم الضعف والعجز والخذلان والاستعانة بالله والتوكل عليه واللجأ إليه والدعاء له هي التي تقوى العبد وتيسر عليه الأمور ولهذا قال بعض
السلف من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله وفي الصحيحين عن عبد الله ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صفته في التوراة إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يجزي بالسيئة الحسنة ويغفر ولن أقبضه حتى اقيم به الملة العوجاء فأفتح بك أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا بأن يقولوا لا إله إلا الله ولهذا روى أن حملة العرش إنما اطاقوا حمل العرش بقولهم لا حول ولا قوة إلا بالله وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها كنز من كنوز الجنة قال تعالى الطلاق ومن يتوكل على الله فهو حسبه وقال تعالى آل عمران الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل إلى قوله فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين وفي صحيح البخاري عن ابن عباس في قوله وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم الخليل حين ألقى في النار وقالها محمد حين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم وقسم ثان يشهدون ربوبية الحق وافتقارهم إليه ويستعينون بها على أهوائهم وأذواقهم غير ناظرين إلى حقيقة امره ونهيه ورضاه وغضبه ومحبته وهذا حال كثير من المتفقرة والمتصوفة ولهذا كثيرا ما يعملون على الأحوال التي يتصرفون بها في الوجود لا يقصدون ما يرضي الرب ويحبه وكثيرا ما يغلطون فيظنون أن معصيته هي مرضاته فيعودون إلى تعطيل الأمر والنهي ويسمهون هذا حقيقة ويظنون أن هذه الحقيقة الأمرية الدينية هي التي تحوي مرضاة الرب ومحبته وأمره ونهيه ظاهرا وباطنا وهؤلاء كثيرا ما يسلبون أحوالهم وقد يعودون إلى نوع من المعاصي والفسوق بل كثير منهم يرتد عن الاسلام لأن العاقبة للتقوى ومن لم يقف عند أمر الله ونهيه فليس من المتقين فهم يقعون في بعض ما وقع المشركون فيه تارة من بدعة يظنونها شرعة وتارة في الاحتجاج بالقدر على الأمر والله تعالى لما ذكر ما ذم به المشركين في سورة الأنعام ذكر ما ابتدعوه في الدين وجعلوه شرعة كما قال تعالى الأعراف وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء وقد ذمهم على أن حرموا ما لم يحرمه الله وأن شرعوا ما لم يشرعه الله وذكر احتجاجهم بالقدر في قوله الأنعام لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء ونظيرها في النحل ويس والزخرف وهؤلاء يكون فيهم شبهة في هذا وهذا
وأما القسم الثالث وهو من أعرض عن عبادة الله واستعانته به فهؤلاء شر الأقسام والقسم الرابع هو القسم المحمود وهو حال الذين حققوا إياك نعبد وإياك نستعين وقوله هود فاعبده وتوكل عليه فاستعانوا به على طاعته وشهدوا أنه إلههم الذي لا يجوز أن يعبدوا إلا إياه وطاعة رسوله وأنه ربهم الذي ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع وأنه فاطر ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده يونس وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله الزمر قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته ولهذا قال طائفة من العلماء الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ومحو الأسباب أن تكون أسبابا نقص في العقل والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع وإنما التوكل المأمور به ما يجتمع فيه مقتضي التوحيد والعقل والشرع فقد بين أن من ظن التوكل من مقامات عامة اهل الطريق فقد غلط غلطا شديدا وإن كان من أعيان المشايخ كصاحب علل المقامات وهو من أجل المشايخ وأخذ ذلك عنه صاحب محاسن المجالس وأظهر ضعف حجته فمن قال ذلك قال إن المطلوب به حظ العامة فقط وظنه أنه لا فائدة له في تحصيل المقصود وهذه حال من جعل الدعاء كذلك وذلك بمنزلة من جعل الأعمال المأمور بها كذلك كمن اشتغل بالتوكل عما يجب عليه من الأسباب التي هي عبادة الله وطاعة مأمور بها فإن غلط هذا من ترك الأسباب المأمور بها التي هي داخلة في قوله هود فاعبده وتوكل عليه كغلط الأول في ترك التوكل المأمور به الذي هو داخل في قوله فاعبده وتوكل عليه لكن يقال من كان توكله على الله ودعاؤه له هو في حصول مباحات فهو من العامة وإن كان في حصول مستحبات وواجبات فهو من الخاصة كما أن من دعاه وتوكل عليه في حصول محرمات فهو ظالم لنفسه ومن أعرض عن التوكل فهو عاص لله ورسوله بل خارج عن حقيقة الإيمان فكيف يكون هذا المقام للخاصة قال الله تعالى يونس وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين وقال تعالى آل عمران إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وقال إبراهيم وعلى الله فليتوكل المؤمنون وقال تعالى
الزمر قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره إلى قوله قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون وقد ذكر الله هذه الكلمة حسبي الله في جلب المنفعة تارة وفي دفع المضرة أخرى فالأولى قوله التوبة ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله الآية والثانية قوله آل عمران الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل وفي قوله الأنفال وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله وقوله التوبة ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله الآية يتضمن الأمر بالرضا والتوكل والرضا والتوكل يكتنفان المقدور فالتوكل قبل وقوعه والرضاء بعد وقوعه ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الصلاة اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي اللهم إني أسالك خشيتك في الغيب والشهادة وأسالك كلمة الحق في الغضب والرضا وأسألك القصد في الفقر والغنى وأسالك نعيما لا ينفد وأسألك قرة عين لا تنقطع اللهم إني أسألك الرضاء بعد القضاء وأسألك برد العيش بعد الموت وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين رواه احمد والنسائي من حديث عمار بن ياسر وأما ما يكون قبل القضاء فهو عزم على الرضا لا حقيقة للرضا ولهذا كان طائفة من المشايخ يعزمون على الرضا قبل وقوع البلاء فإذا وقع انفسحت عزائمهم كما يقع نحو ذلك في الصبر وغيره كما قال تعالى آل عمران ولقد كنتم تمنون الموت من قبل ان تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون وقال تعالى الصف يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص نزلت هذه الاية لما قالوا لو علمنا أي الأعمال احب إلى الله لعملناه فأنزل الله آية الجهاد فكرهه من كرهه ولهذا كره للمرء أن يتعرض للبلاء بأن يوجب على نفسه مالا يوجبه الشارع عليه بالعهد والنذر ونحو ذلك أو يطلب ولاية أو يقدم على بلد فيه طاعون كما ثبت في الصحيحين من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النذر وقال إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل وثبت عنه في الصحيحين أنه قال لعبد الرحمن بن سمرة
لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك وثبت عنه في الصحيحين أنه قال في الطاعون إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه و إذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها وثبت في الصحيحين أنه قال لا تتمنوا لقاء العدو وأسالوا الله العافية ولكن إذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف وأمثال ذلك مما يقتضي أن الإنسان لا ينبغي له أن يسعى فيما يوجب عليه أشياء فيبخل بالوفاء كما يفعل كثير ممن يعاهد الله عهودا على أمور وغالب هؤلاء يبتلون بنقض العهود وينبغي أن الإنسان إذا ابتلى فعليه أن يصبر ويثبت ولا يكل حتى يكون من الرجال الموفين القائمين بالواجبات ولا بد في جميع ذلك من الصبر ولهذا كان الصبر واجبا باتفاق المسلمين على أداء الواجبات وترك المحظورات ويدخل في ذلك الصبر على المصائب عن أن يخرج والصبر عن ابتاع أهواء النفس فيما نهى الله عنه وقد ذكر الله الصبر في كتابه في اكثر من تسعين موضعا وقرنه بالصلاة في قوله البقرة استعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين البقرة استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين وقوله هود وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إلى قوله واصبر فإن الله لايضيع اجر المحسنين طه فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها غافر فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك الآية وجعل الإمامة في الدين موروثة عن الصبر واليقين بقوله السجدة وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون فإن الدين كله علم بالحق وعمل به فالعمل به لا بد فيه من الصبر بل وطلب علمه يحتاج إلى الصبر كما قال معاذ بن جبل علكيم بالعلم فإن طلبه لله عبادة ومعرفته خشية والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة ومذاكرته تسبيح به يعرف الله ويعبد به يمجد ويوحد يرفع الله بالعلم أقوما يجعلهم للناس قادة وأئمة يهتدون بهم وينتهون إلى رأيهم فجعل البحث عن العلم من الجهاد ولا بد في الجهاد من الصبر ولهذا قال تعالى والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر وقال تعالى ص واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار فالعلم النافع ع هو أصل الهدى والعمل بالحق هو
الرشاد وضد الأول هو الضلال وضد الثاني هو الغي والضلال العمل بغير علم والغي اتباع الهوى قال تعالى والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى فلا ينال الهدى إلا بالعلم ولا ينال الرشاد إلا بالصبر ولهذا قال علي ألا إن الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا انقطع الرأس بان الجسد ثم رفع صوته فقال ألا لا إيمان لمن لا صبر له وأما الرضا فقد تنازع العلماء والمشايخ من أصحاب الإمام أحمد وغيرهم في الرضاء بالقضاء هل هو واجب أو مستحب على قولين فعلى الأول يكون من أعمال المقتصدين وعلى الثاني يكون من أعمال المقربين قال عمر بن عبد العزيز الرضاء عزيز ولكنه معول المؤمن وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لابن عباس إن استطعت أن تعمل لله بالرضا مع اليقين فافعل فإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا ولهذا لم يجيء في القرآن إلا مدح الراضين لا إيجاب ذلك وهذا في الرضا فيما يفعله الرب بعبده من المصائب كالمرض والفقر والزلزال كما قال تعالى البقرة والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس وقال البقرة أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلولوا فالبأساء في الأموال والضراء في الأبدان والزلزال في القلوب وأما الرضا بما أمر الله به فأصله واجب وهو من الايمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث ذاق طعم الايمان من رضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وهو من توابع المحبة كما سنذكره إن شاء الله تعالى وقال النساء فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما وقال تعالى التوبة ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله روسوله وقالوا حسبنا الله الآية وقال تعالى محمد ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم وقال التوبة وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون ومن النوع الأول ما رواه أحمد والترمذي وغيرهما عن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من سعادة ابن آدم استخارته لله ورضاه بما قسم الله له ومن شقاوة ابن آدم ترك استخارته لله وسخطه بما يقسم الله له وأما الرضا بالمنهيات من الكفر والفسوق والعصيان فأكثر العلماء يقولون لا يشرع الرضا بها إذ هي كما لا تشرع محبتها فإن الله سبحانه
لا يرضاها ولا يحبها وإن كان قدرها وقضاها كما قال سبحانه البقرة والله لا يحب الفساد وقال تعالى الزمر ولا يرضى لعباده الكفر بل يسخطه كما قال تعالى محمد ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم وقالت طائفة ترضى من جهة كونها مضافة إلى الله خلقا وتسخط من جهة كونها مضافة إلى العبد فعلا وكسبا وهذا لا ينافي الذي قبله بل هما يعودان إلى أصل واحد وهو سبحانه قدر الأشياء لحكمة فهي لاعتبار تلك الحكمة محبوبة مرضية وقد تكون في نفسها مكروهة ومسخوطة إذ الشيء الواحد يجتمع فيه وصفان يحب من أحدهما ويكره من الآخر كما في الحديث الصحيح ما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه وأما من قال بالرضا بالقضاء الذي هو وصف الله وفعله لا بالمقضي الذي هو مفعلوه فهو خروج منه عن مقصود الكلام فإن الكلام ليس بالرضاء فيما يقوم بذات الرب تعالى من صفاته وأفعاله وإنما الكلام في الرضاء بمفعولاته والكلام فيما يتعلق بهذا قد بيناه في غير هذا الموضع و الرضاء وإن كان من أعمال القلوب فكماله هو الحمد حتى إن بعضهم فسر الحمد بالرضاء ولهذا جاء في الكتاب والسنة حمد الله على كل حال وذلك يتضمن بمقضياته وفي الحديث أول من يدعى إلى الجنة الحمادون الذين يحمدون الله في السراء والضراء وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أتاه الأمر يسره قال الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وإذا أتاه الأمر الذي يسؤوه قال الحمد لله على كل حال وفي مسند الإمام أحمد عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا قبض ولد العبد يقول الله لملائكته أقبضتم ولد عبدي فيقولون نعم فيقول أقبضتم ثمرة فؤاده فيقولون نعم فيقول ماذا قال فيقولون حمدك واسترجعك فيقول ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد ونبينا صلى الله عليه وسلم هو صاحب لواء الحمد وأمته هم الحمادون الذين يحمدون الله على السراء والضراء والرضا والحمد على الضراء يوجبه شاهدان أحدهما علم العبد بأن الله سبحانه مستوجب لذلك مستحق له لنفسه فإنه احسن كل شيء خلقه وأتقن كل شيء وهو العليم الحكيم الخبير الرحيم والثاني علمه بأن اختيار الله لعبده المؤمن خير من اختياره لنفسه كما روى مسلم في صحيحه وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال والذي نفسي بيده لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له
ليس ذلك إلا للمؤمن إن اصبته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن كل قضاء يقضيه الله للمؤمن الذي يصبر على البلاء ويشكر على السراء فهو خير له قال تعالى إن في ذلك لايات لكل صبار شكور وذكرها في أربعة مواضع من كتابة إبراهيم لقمان سبأ الشورى فأما من لا يصبر على البلاء ولا يشكر على الرخاء فلا يلزم أن يكون القضاء خيرا له ولهذا أجبت من أورد على هذا بما يقضى على المؤمن من المعاصي بجوابين أحدهما أن هذا إنما يتناول ما اصاب العبد لا ما فعله العبد كما في قوله النساء ما أصابك من حسنة فمن الله أي من سراء وما أصابك من سيئة فمن نفسك أي من ضراء وكقوله الأعراف وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون أي بالسراء والضراء كما قال الأنبياء ونبلوكم بالشر والخير فتنة وقال آل عمران إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها يراد بها المسار والمضار ويراد بها الطاعات والمعاصي والجواب الثاني أن هذا في حق المؤمن الصبار الشكور والذنوب تنقص الإيمان فإذا تاب العبد أحبه الله وقد ترتفع درجته بالتوبة قال بعض السلف كان داود بعد التوبة خيرا منه قبل الخطيئة فمن قضى له بالتوبة كان كما قال سعيد ابن جبير إن العبد ليعمل الحسنة فيدخل بها النار وإن العبد ليعمل السيئة فيدخل بها الجنة وذلك أنه يعمل الحسنة فتكون نصب عينة ويعجب بها ويعمل السيئة فتكون نصب عينة فيستغفر الله ويتوب إليه منها وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الأعمال بالخواتيم والمؤمن إذا فعل سيئة فإن عقوبته تندفع عنه بعشرة أسباب أن يتوب فيتوب الله عليه فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له أو يستغفر فيغفر له أو يعمل حسنات تمحوها فإن الحسنات يذهبن السيئات أو يدعو له إخوانه المؤمنون ويشفعون له حيا وميتا أو يهدون له من ثواب أعمالهم لينفعه الله به أو يشفع فيه نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أو يبتليه الله في الدنيا بمصائب تكفر عنه أو يبتليه في البرزخ والصعقة فيكفر بها عنه أو يبتليه في عرصات القيامة من أهوالها بما يكفر عنه أو يرحمه أرحم الراحمين فمن أخطأته هذه العشرة فلا يلومن إلا نفسه كما قال تعالى فيما يروى عنه رسوله يا عبادي إنما هي أعمالكم احصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه فإن كان المؤمن يعلم أن القضاء خير إذا كان صابرا شكورا
وكان قد استخار الله وعلم أن من سعادة ابن آدم استخارته لله ورضاه بما قسم له كان قد رضى بما هو خير له وفي الحديث الصحيح عن علي قال إن الله يقضي بالقضاء فمن رضى فله الرضا ومن سخط فله السخط ففي هذا الحديث الرضا والاستخارة فالرضا بعد القضاء والاستخارة قبل القضاء وهذا اكمل من الرضا والصبر فلهذا ذكر في ذاك الرضا وفي هذا الصبر ثم إذا كان القضاء مع الصبر خيرا له فكيف مع الرضا ولهذا جاء في الحديث المصاب من حرم الثواب فالأثر الذي رواه الشافعي في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات سمعوا قائلا يقول يا آل بيت رسول الله إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل فائت فبالله فثقوا وإياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب ولهذا لم نؤمر بالحزن المنافي للرضا قط مع أنه لا فائدة فيه فقد يكون مضرة لكنه يعفى عنه إذا لم يقترن به ما يكرهه الله لكن البكاء على الميت على وجه الرحمة حسن مستحب وذلك لا ينافي الرضا يخلاف البكاء عليه لفوات حظه منه وبهذا تعرف معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم لما بكى على الميت وقال إن هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء وأن هذا ليس كبكاء من يبكي لحظه لا لرحمة الميت وأن الفضيل بن عياض لما مات ابنه على فضحك وقال رأيت أن الله قضى فأحببت أن أرضى بما قضى الله به حاله حال حسن بالنسبة إلى أهل الجزع وأما رحمة الميت مع الرضا بالقضاء وحمد الله كحال النبي صلى الله عليه وسلم فهذا أكمل قال تعالى البلد ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة فذكر سبحانه التواصي بالصبر والرحمة والناس أربعة اقسام منهم من يكون فيه صبر بقسوة ومنهم من يكون فيه رحمة بجزع ومنهم من يكون فيه القسوة والجزع والمؤمن المحمود الذي يصبر على ما يصيبه ويرحم الناس وقد فطن طائفة من المصنفين في هذا الباب أن الرضا عن الله من توابع المحبة له وهذا إنما يتوجه على المأخذ الأول وهو الرضا عنه لاستحقاقه ذلك بنفسه مع قطع العبد النظر عن حظه بخلاف المأخذ الثاني وهو الرضا لعلمه بأن المقضي خير له ثم إن المحبة متعلقة به والرضا متعلق بقضائه لكن قد يقال في تقرير ما قال هذا المصنف ونحوه إن المحبة لله نوعان محبة له نفسه ومحبة لما منهم من الاحسان وكذلك الحمد له نوعان حمد لله على ما يستحقه بنفسه وحمد على إحسانه لعبده فالنوعان للرضا كالنوعين للمحبة وأما الرضا به وبدينه وبرسوله فذلك من
حظ المحبة ولهذا ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله ومن كان يكره أن يرجع إلى الكفر بعد إذ انقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار وهذا مما يبين من الكلام على المحبة فنقول فصل محبة الله ورسوله من أعظم واجبات الايمان وأكبر أوصله وأجل قواعده بل هي أصل كل عمل من أعمال الإيمان والدين كما أن التصديق أصل كل قول من أقوال الإيمان والدين فإن كل حركة في الوجود إنما تصدر عن محبة إما عن محبة محمودة او عن محبة مذمومة كما قد بسطنا ذلك في قاعدة المحبة من القواعد الكبار فجميع الأعمال الايمانية الدينية لا تصدر إلا عن المحبة المحمودة وأصل المحبة المحمودة هي محبة الله سبحانه وتعالى إذ العمل الصادر عن محبة مذمومة عند الله لا يكون عملا صالحا بل جميع الأعمال الإيمانية الدينية لا تصدر إلا عن محبة الله فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما أريد به وجهه كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يقول الله تعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا فأشرك فيه غيري فأنا منه برئ وهو كله للذي أشرك وثبت في الصحيح حديث الثلاثة الذين هم اول من تسعر بهم النار القارئ المرائي والمجاهد المرائي والمتصدق المرائي بل إخلاص الدين لله هو الدين الذي لا يقبل الله سواه فهو الذي بعث به الأولين والآخرين من الرسل وانزل به جميع الكتب واتفق عليه أئمة أهل الإيمان وهذا هو خلاصة الدعوة النبوية وهو قطب القرآن الذي تدور عليه رحاه قال تعالى أول الزمر وأول غافر وأول الجاثية وأول الحقاف تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم أول الزمر إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص والسورة كلها عمتها في هذا المعنى من قوله الزمر قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين وأمرت لأن أكون أول المسلمين إلى قوله الزمر قل الله أعبد مخلصا له ديني إلى قوله أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه
إلى قوله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره الآية إلى قوله الزمر أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون إلى قوله قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون إلى قوله بل الله فاعبد وكن من الشاكرين وقال تعالى فيما قصه من قصة آدم وإبليس أنه قال ص فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين وقال تعالى الحجر إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وقال النحل إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون فبين أن سلطان الشيطان وإغواءه إنما هو لغير الملخصين ولهذا قال في قصة يوسف وكذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين وأتباع الشيطان هم أصحاب النار كما قال تعالى ص لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين وقد قال سبحانه و النساء إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وهذه الآية في حق من لم يتب ولهذا خصص الشرك وقبل ما سواه بالمشيئة فإنه لا يغفر الشرك لمن لم يتب منه وما دونه يغفره لمن يشاء وأما قوله الزمر قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا فتلك في حق التائبين ولهذا عمم وأطلق وسياق الآية يبين ذلك مع سبب نزولها وقد أخبر سبحانه أن الأولين والآخرين إنما أمروا بذلك في غير موضع كالسورة التي قرأها النبي صلى الله عليه وسلم لما أمره أن يقرأ عليه قراءة إبلاغ وإسماع بخصوصه فقال البينة وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء الآية وهذا حقيقة قول لا إله إلا الله وبذلك بعث جميع الرسل قال الله تعالى الأنبياء وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون وقال الزخرف واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون وقال تعالى النحل ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت وجميع الرسل افتتحوا دعوتهم بهذا الأصل كما قال نوح عليه السلام الأعراف اعبدوا الله ما لكم من إله غيره وكذلك
هود هود وصالح هود وشعيب هود عليهم السلام وغيرهم كل يقول اعبدوا الله ما لكم من إله غيره لا سيما أفضلا الرسل اللذين اتخذ الله كلاهما خليلا إبراهيم ومحمدا عليهما السلام فإن هذا الأصل بينه الله بهما وأيدهما فيه ونشره بهما فإبراهيم هو الإمام الذي قال الله فيه البقرة إني جاعلك للناس إماما وفي ذريته جعل النبوة والكتاب والرسل فأهل هذه النبوة والرسالة هم من آله الذين بارك الله عليهم قال سبحانه الزخرف وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون فهذه الكلمة هي كلمة الإخلاص لله وهي البراءة من كل معبود إلا من الخالق الذي فطرنا كما قال صاحب ياسين ياسين ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون وقال تعالى في قصته بعد أن ذكر ما يبين ضلال من اتخذ بعض الكواكب ربا يعبده من دون الله قال الأنعام فلما أفلت قال يا قوم إني برئ مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إلى قوله ولا تخالفون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا وقال إبراهيم الخليل عليه السلام الشعراء أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين وقوله تعالى الممتحنة قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم الآية ونبينا صلى الله عليه وسلم هو الذي أقام الله به الدين الخالص لله دين التوحيد وقمع به المشركين من كان مشركا من الأصل ومن الذين كفروا من أهل الكتب وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد وغيره بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف امري ومن تشبه بقوم فهو منهم وقد تقدم بعض ما أنزل الله عليه من الآيات المتضمنة للتوحيد فقال تعالى والصافات صفا إلى قوله إن إلهكم لواحد إلى قوله إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون أإنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون بل جاء بالحق وصدق المرسلين إلى قوله أولئك لهم رزق معلوم فواكه وهم مكرمون إلى ما ذكره من قصص الأنبياء في التوحيد وإخلاص الدين لله إلى قوله سبحان الله
عما يصفون إلا عباد الله المخلصين وقال تعالى النساء إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتمصوا بالله وأخلصوا دينهم لله وفي الجملة فهذا الأصل في سورة الأنعام والأعراف والنور وطسم وحم وسور المفصل وغير ذلك من السور المكية ومواضع من السور المدنية كثير ظاهر فهو اصل الأصول وقاعدة الدين حتى في سورتي الإخلاص قل يا ايها الكافرون وقل هو الله أحد وهاتان السورتان كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما في صلاة التطوع كركعتي الطواف وسنة الفجر وهما متضمنتان للتوحيد فأما قل يا أيها الكافرون فهي متضمنة للتوحيد العملي الإرادي وهو إخلاص الدين لله بالقصد والإرادة وهو الذي يتكلم به مشايخ التصوف غالبا وأما سورة قل هو الله أحد فمتضمنة للتوحيد القولي العملي كما ثبت في الصحيحين عن عائشة أن رجلا كان يقرأ قل هو الله أحد في صلاته فقال النبي صلى الله عليه وسلم سلوه لم يفعل ذلك فقال لأنها صفة الرحمن فأنا أحبها فقال أخبروه أن الله يحبه ولهذا تضمنت هذه السورة من وصف الله سبحانه وتعالى الذي ينفى قول أهل التعطيل وقول أهل التمثيل ما صارت به هي الأصل المعتمد في مسائل الذات كما قد بسطنا ذلك في غير هذا الموضع وذكرنا اعتماد الأئمة عليها مع ما تضمنته في تفسير الأحد كما جاء تفسيره عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وما دل على ذلك من الدلائل لكن المقصود هنا هو التوحيد العملي وهو إخلاص الدين لله وإن كان أحد النوعين مرتبطا بالآخر فلا يوجد أحد من اهل التعطيل الجهمية وأهل التمثيل المشبهة إلا وفيه نوع من الشرك العملي إذ أصل قولهم فيه شرك وتسوية بين الله وبين خلقه أو بينه وبين المعدومات كما يسوى المعطلة بينه وبين المعدومات في الصفات السلبية التي لا تستلزم مدحا ولا ثبوت كمال أو يسوون بينه وبين الناقص من الموجودات في صفات النقص وكما يسوون إذ أثبتوا هم ومن ضاهاهم من الممثلة مساواة بينه وبين المخلوقات في حقائقها حتى قد يعبدونها فيعدلون بربهم ويجعلون له أندادا ويشبهون الملخوق برب العالمين واليهود كثيرا ما يعدلون الخالق بالملخوق ويمثلونه به حتى يصفوا الله بالعجز والفقر والبخل ونحو ذلك من النقائص التي يجب تنزيهه عنها وهي من صفات خلقه والنصارى يعدلون المخلوق بالخالق حتى يجعلوا في المخلوق من نعوت الربوبية وصفات الإلهية ويجوزون له مالا يصلح إلا للخالق سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا والله سبحانه وتعالى قد امرنا أن نسأله الهداية بقوله اهدنا الصراط المستقيم
صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون وفي هذ الأمة من هؤلاء وهؤلاء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن والحديث في الصحيحين فإذا كان أصل العمل الديني هو إخلاص الدين لله وحده فالشيء المراد لنفسه هو المحبوب لذاته وهذا كمال المحبة لكن أكثر ما جاء المطلوب مسمى باسم العبادة كقوله الذاريات وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون وقوله البقرة يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم وأمثال هذا والعبادة تتضمن كمال الحب ونهايته وكمال الذل ونهايته فالمحبوب الذي لا يعظم ولا يذل له لا يكون معبودا والمعظم الذي لا يحب لا يكون معبودا ولهذا قال تعالى البقرة ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله فبين سبحانه ان المشركين الذين يتخذون من دون ألله أندادا وإن كانوا يحبونهم كما يحبون الله فالذين آمنوا أشد حبا لله منهم لله ولأوثانهم لأن المؤمنين أعلم بالله والحب يتبع العلم ولأن المؤمنين جعلوا جميع حبهم لله وحده وأولئك جعلوا بعض حبهم له وأشركوا بينه وبين الأنداد في الحب ومعلوم أن ذلك افضل قال الله تعالى الزمر ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الآية واسم المحبة فيه إطلاق وعموم فإن المؤمن يحب الله ويحب رسله وأنبياءه وعباده المؤمنين وإن كان ذلك من محبة الله وإن كانت المحبة التي لله لا يستحقها غيره فلهذا جاءت محبة الله مذكورة بما يختص به سبحانه من العبادة والإنابة إليه والتبتل له ونحو ذلك فكل هذه الأسماء تتضمن محبة الله سبحانه وتعالى ثم إنه كان بين أن محبته أصل الدين فقد بين أن كمال الدين بكمالها ونقصه بنقصها فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله فأخبر أن الجهاد ذورة سنام العمل وهو أعلاه وأشرفه وقد قال تعالى التوبة أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله إلى قوله أجر عظيم والنصوص في فضائل الجهاد وأهله كثيرة وقد ثبت أنه أفضل ما تطوع به العبد والجهاد دليل المحبة الكاملة قال تعالى التوبة قل إن كان آباؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم الآية وقال تعالى في صفة المحبين المحبوبين
المائدة يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم فإن المحبة مستلزمة للجهاد ولأن المحب يحب ما يحب محبوبه ويبغض ما يبغض محبوبه ويوالي من يوالي محبوبه ويعادي من يعاديه ويرض لرضاه ويغضب لغضبه ويأمر بما يأمر به وينهى عما نهى عنه فهو موافق في ذلك وهؤلاء هم الذين يرضى الرب لرضاهم ويغضب لغضبهم إذ هم إنما يرضون لرضاه ويغضبون لما يغضب له كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في طائفة فيهم صهيب وبلال لعلك أغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك فقال لهم يا إخوتي هل أغضبتكم قالوا لا يغفر الله لك يا أبا بكر وكان قد مر بهم أبو سفيان بن حرب فقالوا ما أخذت السيوف مأخذها فقال لهم أبو بكر أتقولون هذا لسيد قريش وذكر أبو بكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له ما تقدم لان أولئك إنما قالوا ذلك غضبا لله لكمال ما عندهم من الموالاة لله ورسوله والمعاداة لأعدائهما ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح فيما يروى عن ربه لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته ولا بد له منه فبين أنه يتردد لأن التردد تعارض إرادتين وهو سبحانه يحب ما يحب عبده ويكره ما يكرهه وهو يكره الموت فهو يكرهه كما قال وأنا أكره مساءته وهو سبحانه قد قضى بالموت فهو يريد أن يموت فسمى ذلك ترددا ثم بين أنه لا بد من وقوع ذلك وهذا اتحاد في المحبوب المرضي المأمور به والمبغض المكروه المنهي عنه وقد يقال له اتحاد نوعي وصفي وليس ذلك اتحاد الذاتين فإن ذلك ممتنع والقائل به كافر وهو قول النصارى والغالية من الرافضة والنساك كالحلاجية ونحوهم وهو الاتحاد المقيد في شيء بعينه وأما الاتحاد المطلق الذي هو قول أهل وحدة الوجود الذين يزعمون أن وجود المخلوق هو عين وجود الخالق فهذا تعطيل للصانع وجحود له وهو جامع لكل شرك فكما أن الاتحاد نوعان فكذلك الحلول نوعان قوم يقولون بالحلول المقيد في بعض الأشخاص وقوم يقولون بحلوله في كل شيء وهم الجهمية الذين يقولون إن ذات الله في كل مكان وقد يقع لبعض المصطلمين من أهل الفناء في المحبة أنه يغيب بمحبوبه
عن نفسه وحبه ويغيب بمذكوره عن ذكره وبمعروفه عن معرفته وبموجوده عن وجوده حتى لا يشهد إلا محبوبه فيظن في زوال تمييزه ونقص عقله وسكره أنه هو محبوبه كما قيل إن محبوبا وقع في اليم فألقى المحب نفسه خلفه فقال أنا وقعت فأنت ما الذي أوقعك فقال غبت بك عني فظننت أنك أنا فلا ريب أن هذا خطأ وضلال لكن إن كان هذا لقاء المحبة والذكر من غير أن يحصل عن سبب محظور زال به عقله كان معذورا في زواله فلا يكون مؤاخذا بما يصدر منه من الكلام في هذه الحال التي زال فيها عقله بغير سبب محظور كما قيل في عقلاء المجانين أنهم قوم آتاهم الله عقولا وأحوالا فسلب عقولهم وأبقى أحوالهم وأسقط ما فرض بما سلب وأما إذا كان السبب الذي به زوال العقل محظورا لم يكن السكران معذورا وإن كان لا يحكم بكفره في اصح القولين كما لا يقع طلاقه في أصح القولين وإن كان النزاع فيه مشهورا وقد بسطنا الكلام في هذا وفيمن يسلم له حاله ومن لا يسلم في قاعدة ذلك وبكل حال فالفناء الذي يفضي بصاحبه إلى مثل هذا حال نقاص وإن كان صاحبه غير مكلف ولهذا لم يرد مثل هذا عن الصحابة الذين هم افضل الأمة ولا عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإن كان لهؤلاء في صعق موسى نوع تعلق وإنما حدث زوال العقل عند الواردات الإلهية على بعض التابعين ومن بعدهم وإن كانت المحبة التامة مستلزمة لموافقة المحبوب في محبوبه ومكروهه وولايته وعداوته فمن المعلوم أن من أحب الله المحبة الواجبة فلا بد أن يبغض أعداءه ولا بد أن يحب ما يحبه من جهادهم كما قال تعالى الصف إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص والمحب التام لا يؤثر فيه لوم اللائم وعذل العاذل بل ذلك يغريه بملازمة المحبة كما قد اكثر الشعراء في ذلك وهؤلاء هم أهل الملام المحمود وهم الذين لا يخافون من يلومهم على ما يحب الله ويرضاه من جهاد أعدائه فإن الملام على ذلك كثير وأما الملام على فعل ما يكرهه الله أو ترك ما أحبه فهو لوم بحق وليس من ذلك المحمود الصبر على هذا الملام بل الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل وبهذا يحصل الفرق بين الملامية الذين يفعلون ما يحبه الله ورسوله ولا يخافون لومة لائم في ذلك وبين الملامية الذين يفعلون ما يبغضه الله ورسوله ويصبرون على الملام في ذلك
فصل وإذا كانت المحبة أصل كل عمل ديني فالخوف والرجاء وغيرهما يستلزم المحبة ويرجع إليها فإن الراجي الطامع إنما يطمع فيما يحبه لا فيما يبغضه والخائف يفر من الخوف لينال المحبوب قال تعالى الإسراء أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه الآية وقال البقرة إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله ورحمته اسم جامع لكل خير وعذابه اسم لكل شر ودار الرحمة الخالصة هي الجنة ودار العذاب الخالص هي النار وأما الدنيا فدار استدارج فالرجاء وإن تعلق بدخول الجنة فالجنة اسم جامع لكل نعيم وأعلاه النظر إلى وجه الله كما في صحيح مسلم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد يا اهل الجنة إن لكم عند الله موعد يريد أن ينجزكموهن فيقولون ما هو ألم يبيض وجوها ألم يثقل موازيننا ويدخلنا الجنة وينجينا من النار قال فيكشف الحجاب فينظرون إليه فما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه وهو الزيادة ومن هنا يتبين زوال الاشتباه في قول من قال ما عبدتك شوقا إلى جنتك ولا خوفا من نارك وإنما عبدتك شوقا إلى رؤيتك فإن هذا القائل ظن هو ومن تابعه أن الجنة لا يدخل في مسماها إلا الأكل والشرب واللباس والنكاح والسماع ونحو ذلك مما فيه التمتع بالمخلوقات كما يوافق على ذلك من ينكر رؤية الله من الجهمية أو من يقر بها ويزعم أنه لا تمتع في نفس رؤية الله كما يقوله طائفة من المتفقهة فهؤلاء متفقون على أن مسمى الجنة والآخرة لا يدخل فيه إلا التمتع بالمخلوقات ولهذا قال بعض من غلط من المشايخ لما سمع قوله آل عمران منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة قال فأين من يريد الله وقال آخر التوبة إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة قال إذا كانت النفوس والأموال بالجنة فأين النظر إليه وكل هذا لظنهم أن الجنة لا يدخل فيها النظر والتحقيق أن الجنة هي الدار الجامعة لكل نعيم وأعلى ما فيها النظر إلى وجه الله وهو من النعيم الذي ينالونه في الجنة كما أخبرت به النصوص وكذلك اهل النار فإنهم محجوبون عن ربهم يدخلون النار مع أن قائل هذا القول إذا كان عارفا بما يقول فإنما قصده إنك لو لم تخلق نارا ولو لم تخلق جنة لكان يجب أن تعبد ويجب التقرب إليك والنظر إليك كما قال عمر رضي الله عنه نعم العبد
صهيب لو لم يخف الله لم يعصه أي هو لم يعصه ولو لم يخفه فإن إجلاله وإكرامه لله يمنعه من معصيته والراجي الخائف إذا تعلق خوفه ورجاؤه بالتعذب باحتجاب الرب عنه والتنعم بتجلية فمعلوم أن هذا من توابع محبته له فالمحبة هي أوجبت محبة التجلي والخوف من الاحتجاب وإن تعلق خوفه ورجاؤه بالتعذب بمخلوق والتنعم به فهذا إنما يطلب ذلك بعبادة الله المستلزمة محبته لله وهي أحلى من كل محبة ولهذا يكون اشتغال أهل الجنة بذلك أعظم من كل شيء كما في الحديث إن اهل الجنة يلهمون التسبيح كما تلهمون وهو يبين غاية تنعمهم بذكر الله ومحبته فالخوف من التعذب بمخلوق والرجاء له يسوقه إلى محبة الله التي هي الأصل وهذا كله ينبني على أصل المحبة فيقال قد نطق الكتاب والسنة بمحبة العباد المؤمنين لله كما في قوله البقرة والذين آمنوا أشد حبا لله وقوله المائدة يحبهم ويحبونه وقوله التوبة أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الايمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار بل محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبت لمحبة الله كما في قوله التوبة أحب إليكم من الله ورسوله وكما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين وفي صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب أنه قال والله يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي فقال لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال والله لأنت أحب إلي من نفسي وكذلك محبة صحابته وقرابته كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار وقال لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر وقال علي رضي الله عنه إنه لعهد النبي الأمي إلي أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق وفي السنن أنه قال للعباس والذي نفسي بيده لا يدخلون الجنة حتى يحبونكم لله ولقرابتي يعني بني هاشم وقد روى حديث عن ابن عباس مرفوعا أنه قال أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه وأحبوني بحب الله وأحبوا أهل بيتي لأجلي وأما محبة الرب لعبده فقال تعالى النساءواتخذ الله إبراهيم خليلا وقال تعالى المائدة يحبهم ويحبونه وقال البقرة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين الحجرات وأقسطوا إن الله يحب المقسطين
التوبة فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين التوبة فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين الصف إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص آل عمران بلى من أوفى بعهده وأتقى فإن الله يحب المتقين وأما الأعمال التي يحبها الله من الواجبات والمستحبات الظاهرة والباطنة فكثيرة معروفة وكذلك حبه لأهلها وهم المؤمنون أولياء الله المتقون وهذه المحبة حق كما نطق بها الكتاب والسنة والذي عليه سلف الأمة وأئمتها وأهل السنة والحديث وجميع مشايخ الدين وأئمة التصوف أن الله محبوب لذاته محبة حقيقة بل هي أكمل محبة فإنها كما قال تعالى البقرة والذين آمنوا أشد حبا لله وكذلك هو سبحانه يحب ما يحب عباده المؤمنون وما هو في الله محبة حقيقية وأنكر الجهمية حقيقة المحبة من الطرفين زعما منهم أن المحبة لا تكون إلا لمناسبة بين المحب والمحبوب وأنه لا مناسبة بين القديم والمحدث توجب محبته وقاسوا به المحبة وكان أول من أحدث هذا في الإسلام الجعد بن درهم في أوائل المائة الثانية فضحى به خالد ابن عبد الله القسري أمير العراق والمشرق بواسط خطب الناس يوم الأضحى فقال أيها الناس ضحوا يقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم أنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما ثم نزل فذبحه فكأنه قد أخذ هذا المذهب عنه الجهم بن صفوان فأظهره عليه وإليه أضيف قول الجهمية فقتله سلم ابن أحوز أمير خراسان بها ثم نقل ذلك إلى المعتزلة أتباع عمرو ابن عبيد وأظهر قولهم في زمن الخليفة المأمون حتى امتحن أئمة الإسلام ودعوا إلى الموافقة لهم عن ذلك وأصل هذا مأخوذ عن المشركين والصابئة من البراهمة والمتفسلفة ومبتدعة أهل الكتاب الذين يزعمون أن الرب ليس له صفات ثبوتية أصلا وهؤلاء هم أعداء إبراهيم الخليل عليه السلام وهم ي